تمهيد           المدونات هي ظاهرة حديثة نسبيًّا مقارنة بباقي أنواع المواقع، بدأت مع الغزو الأمريكي للعراق، ثم أخذت تنتشر حتي وقتنا هذا. لقد…

تمهيد

          المدونات هي ظاهرة حديثة نسبيًّا مقارنة بباقي أنواع المواقع، بدأت مع الغزو الأمريكي للعراق، ثم أخذت تنتشر حتي وقتنا هذا.

لقد أصبح من اليسير على أي شخص أن يمتلك مدونة ، يخاطب من خلالها الآخرين وينقل لهم الأخبار، ويعرض لأفكاره ويستطلع آراء الناس حولها. كل ذلك يتم بدون تكلفة تذكر، وذلك بفضل خدمة المدونات المجانية التي تقدمها Google أو موقع WordPress؛ فهي دقائق معدودة تقوم بالتسجيل في إحدى الموقعين ثم يعطونك مدونتك المجانية، وعلى الفور تبدأ في عملية التدوين.

أولاً: نشأة المدونات:

تاريخيًّا تعد الحرب على العراق أحد أهم أسباب نشأة المدونات وانتشارها على المستويين العربي والعالمي، وقد ظهرت في عام 2002 مدونات مؤيدة للحرب من أشهرها إنتسابوندت، وفي عام 2003 ظهرت المدونات كوسيلة العديد من الأشخاص المناوئين للحرب في الغرب للتعبير عن مواقفهم السياسية، ومنهم مشاهيرالسياسة الأمريكية من أمثال “هوارد دين”، كما غطتها مدونات شهيرة كمجلة فوربس في مقالات لها، كما كان لاستخدام معهد آدم سميث البريطاني لهذه الوسيلة دورة في تأصيلها.

من ناحية أخرى ظهرت مدونات يكتبها عراقيون، بعضهم يعيشون في العراق ويكتبون عن حياتهم في الأيام الأخيرة لنظام صدام حسين وأثناء الاجتياح الأمريكي، وقد اكتسبت بعض هذه المدونات شهرة واسعة وعُدّ قراؤها بالملايين(1).

– ويري  آخرون أن ظهور المدونات يعود إلى ما قبل ذلك، ففي دراسة قام بها الباحث “جمال الزرن” لمجلة الشئون العربية على الإنترنت، أوضح أنها ظاهرة تطورت عبر ثلاث مراحل، وهي:(2)

المرحلة الأولى :-

حيث انطلقت المدونات في منتصف تسعينيات القرن الماضي، مع المدون الأمريكي “جورج بارغر” في عام 1994 مع موقع ” دراجح ريبورت” وهو من كان وراء نشر فضيحة “مونيكا لفن سكى” السكرتيرة الخاصة للرئيس السابق “بيل كلينتون” عام 1994م.

المرحلة الثانية :-

وتعتبر بداية الميلاد الحقيقي للمدونات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، ففي هذه المرحلة دخل الصحفيون إلى المعترك، وبدأت المدونات تكتسب شيئًا فشيئًا قدرتها على التأثير، إثر الهجوم الذي شنه المدونون على تصريحات “Trent Lott”، وكان غزو العراق 2003 كما أسلفنا سببًا آخر في انتشار المدونات، والتي أطلق عليها البعض أحيانًا اسم “مدونات الحرب العنصرية”.

المرحلة الثالثة:-        

وهي مرحلة النضج، ومؤشراتها بدأت في النصف الثاني من العام 2004، حيث تحول التدوين إلى ظاهرة عالمية عرفت انفجارًا كبيرًا ابتداء من سنة 2005، فقد بدأت تظهر مجموعة جديدة مميزة على شبكة الإنترنت تختلف عن بقية المواقع الكلاسيكية ومواقع الدردشة والبوابات والمواقع الشخصية، بها وصلات مشتركة استطاعت أن تفرض نفسها، لتتكاثر بسرعة ملفتة، ليصل عددها في نوفمبر 2000 إلى 1.2 مليون مدونة، حسب إحصائية الموقع الخاص بالمدونات، وقد استنتج هذا المحرك أن نسبة هذه المواقع تفوق بكثير بقية أصناف مواقع الإنترنت، وتشير إحصائيات 2006 إلي وجود أكثر من 50 مليون مدونة في العالم(3).

– ولقد تبع ازدياد عدد المدونات وتنوع محتواها أيضًا زيادة عدد مستخدميها، حيث يقدر مشروع “بيو” للإنترنت والحياة الأمريكية، زيادة عدد الأمريكيين الذين يقرأون المدونات بنسبة 58% عام 2004، ليصل العدد الكلي إلى حوالي 32 مليون قارئ. ويفيد مشروع الامتياز في الصحافة التابع لجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، أن معظم هؤلاء يتابعون المدونات من أجل الحصول على المعلومات ومتابعة الأخبار، كما أفادت إحدى الدراسات الحديثة أن حوالى 11% من المستهلكين على الخط المباشر Online consumers يقرأون المدونات بصفة شهرية على الأقل، وأن هذا العدد أخذ بالازدياد بسرعة.

ثانيًا: أنوع المدونات:

وإذا نظرنا إلى المدونات تبين لنا أنها يمكن تصنيفها على النحو التالي(4):-

أ- مدونات سياسية اجتماعية:

تنهض بوظيفة النقد وفضح الانتهاكات والفساد والتضليل وغيرها من المفاسد السائدة في البلدان العربية، فتصبح المدونة منبرًا لمن لا منبر له. نذكر في هذا السياق من السعودية: مدونة “حلوة”، ومن مصر: مدونة الوعي المصري، ومدونة التعذيب في مصر، ومدونة العدالة للجميع، ومدونة إحنا بنعيش، ومدونة بنت مصرية، ومدونة مواطن مصري، ومدونة حزب العواطلية، ومدونة ابن مصر. ومن تونس: مدونة يزي فكَ، ومدونة Extravaganza، ومدونة أبو نورمال، ومدونة المشاغب Clandestino، ومدونة الناقد. ومن الكويت: مدونة ساحة صفا، وغيرها.

ب- مدونات علمية متخصصة:

تعرض مقالات نقدية ونصوصًا أدبية وترجمات وغيرها، كمدونة جمال الزرن التي تهتم بقضايا الإعلام العربي والدولي والصورة في زمن العولمة، ومدونة “كرمة” التي تنشر مجموعة من المقالات والنصوص ذات الصلة بالأدب والترجمة، ومدونة بناتنا، ومدونة الخزانة وغيرها.

جـ – مدونات حقوقية:

تنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتدافع عن قضايا تخص حرمان الفرد من حقوقه الأساسية كالكرامة، وحق الحياة وحق العمل، وحق التعليم، والحريات كحريات التعليم أو التفكير. نذكر في هذا الصدد: مدونة شام الحرة، ومدونة يلا نفضحهم التي تعنى برصد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر من خلال نشر مقاطع مرئية لمشاهد عمليات التعذيب، ومدونة محمد عثمان من البحرين وغيرها.

وفيما يتصل بعدد المدونات المتاحة على الشبكة العنكبوتية، تقوم شركتا Blog pluse وTechnorati بالكشف عن ما يزيد عن 20 مليون مدونة، وسجلت الشركة الأولى في سبتمبر 2005 أن عدد المدونات يتضاعف تقريبًا مرة كل 5 شهور، بينما تضيف شركة Intelliseek Blog pluse إلى محرك البحث الخاص بها حوالى 50000 مدونة يوميًّا. ويتضح من المؤشرات السابقة أن عدد المدونات وتأثيرها سوف يستمران في الازدياد(5).

ثالثًا: عوامل نشأة وازدهار المدونات:

ولقد أدى توفر مجموعة من العوامل إلى انتشار ظاهرة المدونات وتصاعد دورها، ويمكننا أن نستعرض فيما يلي بعضًا منها(6):-

1- عولمة الإعلام:

وهذا بتراجع مقولة الاتصال الجماهيري والتي كانت مقدمة للصناعات الإعلامية، غدت مقولة الاتصال الجماهيري “رغم نبلها”- مقولة في القهر والتضليل واغتصاب العقول. أما الصناعات الثقافية فهي الاحتكار والتنميط الذي تفرضه الشركات متعددة الجنسيات التي تستهدف الربح، فنجد بذلك شركة واحدة تمتلك عدة مؤسسات إعلامية، وهذا مما يحدث مع الإنترنت؛ فقد أصبح المستخدم منا لا يفرق بين البرامج المتشابهة، والسبب هو تشابه سياسات التحرير، ففي عام 1999 كانت توجد 50 شركة تتقاسم 60% من قطاع الإنترنت، أما في عام 2001 فقد أصبحت 14 شركة فقط، وبمثل هذا التمركز وهذه القطبية، تفقد المؤسسة الإعلامية والاتصالية على حد سواء القدرة على توفير مادة إعلامية متنوعة، وذلك بسبب غياب تعدد الملكية.

2- تراجع الثقة في الصحافة التقليدية:

يعتبر فقدان الثقة في الصحافة التقليدية نتيجة حتمية لظاهرة عولمة الإعلام، وبروز أقطاب إعلامية دولية كبرى تدربها شركات عملاقة، وتحكمها رهانات مالية وسياسية يصعب كشف تماثلاتها. ومن هنا تعتبر المدونات رد فعل قد يكون عفويًّا، لكنه واع في نفس الوقت، ويعبر عن تقلص حضور المواطن في قضايا الشأن العام، فلقد أصبح المواطن لا يثق بالإعلام عامة وفي الصحافة خاصة؛ فهي تسوق للحملات الانتخابية، وتسعي للربح على حساب المصلحة العامة.

3- دور الشباب:

تنتشر ظاهرة التدوين في أوساط الشباب، والتي كانت الفئة الدافعة لشيوع هذا الشكل من التواصل من داخل شبكة الإنترنت، بل تكاد تكون ظاهرة التدوين حكرًا عليه، وقد يكون وراء هذا الانخراط العفوي في فعل التدوين صلة بفقد الشباب الثقة في وسائل الإعلام التقليدية.

4- النكبات:

ومن بين العوامل غير المباشرة التي سارعت في تفعيل انتشار ظاهرة المدونات، يمكن ذكر الحرب على العراق التي جذبت اهتمام المدونين وخاصة في الولايات المتحدة، عندما بدأ الجندي الأمريكي “جاسون” في تدوين مذكراته أثناء الحرب، وإرفاقه لعينة من الصور الرقمية المعبرة عن مآسي الحرب في مذكراته الإلكترونية، وكان هذا الجندي قد استطاع أن ينقل آلامهم وآمالهم، ونجح في تقديم ما لم يلتفت إليه الإعلام الأمريكي، وهي وجهة نظر المدنيين العراقيين ومعاناتهم.

رابعًا: مزايا ومساوئ المدونات الإلكترونية:

ويمكننا أن نعرض لعدد من المزايا والمساوئ، والتي تعتبر بدورها خصائص للمدونات                           الإلكترونية كالآتي(7):-

1- مزايا المدونات الإلكترونية:

بجانب أنها تمتاز عن غيرها من وسائل الإعلام والاتصال الأخرى، بكونها فضاء رحبًا ومجانيًّا لنشر الآراء والأفكار وإظهار الهوية الفكرية والشخصية بطرق لم تتح من قبل، وبقوة لم تعهدها مثل هذه الوسائل، يؤكد لنا كل من Herzog, Tannahill & Zeises ” 2005 ” وجود العديد من المزايا الأخرى، التي تتمتع بها المدونات الإلكترونية، فكم هي معبرة عن فلسفة صاحبها وبارزة لشخصية، وظاهرة للفنون وللمناورات والقدرات الكلامية التي يمتلكها، إضافة إلى ذلك تمتاز المدونات الإلكترونية أيضًا بأنها سريعة ومبتكرة ومسلية ومتنوعة، وخصبة الأداء، وسهلة البناء، ومؤرشفة الموضوعات، وممتعة وبدرجة عالية من حرية التعبير، وكذلك مساعدة في خلق بيئة متضافرة ومعاونة. تمتاز أيضًا بأنها قادرة على استخدام وتوظيف الإنترنت, فضلاً عن كونها قليلة التكلفة في إنشائها وتصميمها. بجانب هذه الميزات يضيف أيضًا Pollard “2004” أن المدونات الإلكترونية عاكسة لثقافة المدون، ومساعدة له في التعود على الكتابة بصورة أفضل وبشكل أسرع.

يضيف كذلك ”  Long ” 2002 أنها سهلة الإنشاء، حيث لا حاجة لامتلاك المعرفة، أو حتى خبرة بالتصميم أو بلغة الإنشاء، فهناك الكثير من القوالب الشيقة والمثيرة المساعدة في ذلك، ويؤكد أيضًا Richardson 2004 أن المدونة الإلكترونية تساعد على الاتصال بطرق جديدة ومتعددة لم تكن متاحة من قبل، وذلك لكونها غنية بملتيمديا متعددة، كالصوت والصورة “Photo Blogs”، والأشكال والمؤثرات الأخرى، بجانب ذلك يمكننا القول إن من مزاياها أيضًا أنها محفل للالتقاء بالآخرين، سواء من المؤيدين أو المختلفين بغية المشاركة، وأنها وسيط إعلامي ومعلوماتي جديد للاطلاع، قادر على التحدي والتنوع اللغوي والشكلي، ولا يرتبط بأي حدود أو قيود كتلك التي يرتبط بها أو يفرضها التدوين أو النشر التقليدي.

2- مساوئ المدونات:

وعن مساوئ المدونات يؤكد لنا أيضًا كل من Herzog, tannahill & Zeises”2005″ وجود بعض المساوئ التي توجد بالمدونات الإلكترونية، التي تتمثل على سبيل المثال في الآراء والمعتقدات الشخصية الصرفة لصاحب المدونة، التي يريد إقحامها بمدونته، وما يتعلق أيضًا بمجهولية المؤلف، وما يتعلق بقلة السيطرة على مدخلات المدونة، فضلاً عن إمكانية العبث والاختراق؛ إذ لا توجد في كثير من المدونات آلية للحماية. وكذلك ما يتعلق بقلة السماح باستخدام بعض من تطبيقات الميديا، كملفات الصوت والصور الكبيرة، وأخيرًا ما يتعلق بعدم تأهيل كثير من المدونين للعمل الإعلامي الجيد، مما يؤثر في الكتابة وفي العرض.


(1) مصطفى الضبع، الإعلام الإلكتروني المصري، سوهاج، مؤتمر أدباء مصر “الدورة الحادية والعشرون”، ديسمبر 2006، ص23.

(2) نبيح آمنة، المدونات الإلكترونية العربية بين التعبير الحر والصحافة البديلة ” الجزء الأول “، 15 مارس 2011.

http://kenanaonline.com/users/movie/posts/85364

(3) توفيق التلمساني، المدونات الإلكترونية: المفهوم والمصطلح . النشأة والانتشار، الجزء الأول، الفاعلية تعني أكثر ما تعني الواقعية، 7 أغسطس 2009.

http://toufik2081967.maktoobblog.com/1551511

(4) آمال قرامى، قراءة في محتوى بعض المدونات العربية من منظور الجندر، تونس، كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، أبحاث المؤتمر الدولي الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة لعالم جديد، مرجع سابق، ص226.

(5) توفيق التلمسانى، المدونات الإلكترونية، المفهوم والمصطلح، مرجع سابق.

(6) نبيح آمنة، المدونات الإلكترونية العربية بين التعبير الحر والصحافة البديلة “الجزء الأول”، كنانة أون لاين، 8 يونيو 2009.

http://kenanaonline.com/users/mavie/posts/85364

(7) عصام منصور، المدونات الإلكترونية مصدر جديد للمعلومات، الكويت، صحيفة كلية التربية الأساسية – قسم علوم المكتبات والمعلومات، العدد الخامس، مايو 2009، ص.ص 98، 99.