تزايدت أعداد مواقع الصحف الإلكترونية على مدى الأعوام القليلة الماضية، واستحوذت على اهتمام القراء من مرتادي شبكة الإنترنت؛ لما توفره من ميزات عديدة…

تزايدت أعداد مواقع الصحف الإلكترونية على مدى الأعوام القليلة الماضية، واستحوذت على اهتمام القراء من مرتادي شبكة الإنترنت؛ لما توفره من ميزات عديدة للمستخدم تتمثل في سرعة “نقل الأخبار، وسهولة التعديل عليها، وإمكانية إضافة التعليقات، وعرض الفيديوهات في بعض الأحيان، إلخ…”، بالإضافة إلى بعض المميزات للقائمين عليها تتمثل في “سهولة إنشاء هذه المواقع، وقلة التكاليف، وتخطيها الحدود الإقليمية”؛ فأصبح من المتوقع أن تؤدي دورًا في دعم الديموقراطية وتشجيع الممارسة السياسية والتثقيف السياسي، وذلك بصفة خاصة لدى فئة الشباب باعتبارهم أكثر الفئات ارتيادًا لشبكة الإنترنت عن غيرهم.

وبالإضافة إلى هذه الميزات، نجد أن الصحافة الإلكترونية توفر لأصحاب المواقع والمنتديات والمدونات خدمة تغذية إخبارية “RSS”، يتم ربط الصحيفة بهذا الموقع أو المنتدى أو المدونة، ومن يتصفح أيًّا من هذه المواقع يشاهد على إحدى جانبي الصفحة روابط التغذية، وبالضغط عليها ينقل مباشرة إلى الخبر في موقع الصحيفة. ولعل هذه الخاصية “RSS” أدت إلى انتشار الصحافة الإلكترونية وإشهار العديد منها في فترة وجيزة، وتستخدم أيضًا المواقع الإخبارية هذه الخاصية.

واستنادًا إلى ذلك، سنحاول في هذا المقال أن نعرض لظروف وتاريخ ونشأة الصحافة الإلكترونية عالميًّا وعربيًّا، ومراحل نموها وتطورها.

أولاً: نشأة الصحافة الإلكترونية:

تعد صحيفة تربيون Tribune الأمريكية التي تصدر في ولاية نيومكسيكوThe State of New Mexico  أول صحيفة ورقية تخرج إلى الإنترنت، حيث دشنت لها موقعًا على الشبكة، وذلك في عام 1992،  كما كانت صحيفة USA Today الأمريكية اليومية أول صحيفة كبرى تخرج إلى الإنترنت مستخدمة تكنولوجيا النص الفائق، حيث أتاحت للمستخدم الانتقال إلى مواقع أخرى، وإلى الأقسام المتعددة للصحيفة. وتوالى بعد ذلك شروع كثير من الصحف باتخاذ مواقع لها في كثير من الدول والأقطار، بما فيها الدول العربية ومنها المناطق الفلسطينية(1).

تطور الصحافة الإلكترونية العربية:

مرت الصحافة الإلكترونية العربية بمراحل تطورت خلالها إلى الشكل الفني والمهني التي هي عليه الآن، وهذه المراحل هي: (2)

  1. مرحلة النشر من خلال الأقراص المدمجة:

وكانت أولى التجارب في إنتاج نصوص عربية كاملة، وقد بدأته الصحف التالية:

  • صحيفة الحياة في 17 أكتوبر عام 1995، وكان تاريخ الإصدار الأول للصحيفة على قرص مدمج للأشهر الستة الأولى من نفس العام، وقد أطلق عليها اسم “أرشيف الحياة الإلكترونية”.
  • صحيفتي السفير والنهار اللبنانيتين، في يوليو عام 1997.
  • صحيفة الأهرام المصرية، فبراير 1998.
  • صحيفة الشرق الأوسط، في 14 مايو 1998.
  • مرحلة إصدار النسخ الإلكترونية:

تأخر ظهور الخدمات الصحفية العربية على شبكة الإنترنت إلى نهاية التسعينيات، رغم إدراك الصحف العربية لأهمية الإنترنت، وضرورة تواجدها على الشبكة منذ انطلاق خدمات هذه الشبكة على المستوى العالمي عام 1990. يقول الدكتور “عبد الأمير الفيصل” إن الصحافة المكتوبة هي الأكثر استفادة من بين وسائل الإعلام العربية من خدمات الإنترنت، فقد مكنتها هذه الشبكة بصورة أو بأخرى من تخطي الموانع السياسية، وأيضًا الالتفاف على قوانين الإعلام التي أقل ما يقال بشأنها إنها زجرية ومقيدة للحريات في أكثر الأحيان وفي غالبية الأقطار العربية.

  • مرحلة إصدار الصحيفة الإلكترونية.

يمكن الإشارة إلى محاولتين عربيتين لإنتاج صحيفة إلكترونية على الإنترنت بشكل مباشر، وهاتان كما يذكر الدكتور عماد بشير في يناير 2000، حيث انطلقت من أبوظبي صحيفة الجريدة Eljareeda.com، ثم في عام 2001 صحيفة إيلاف elaph.com، وكانت هاتان الصحيفتان إلكترونيتين بشكل كامل دون نسخ ورقية، وإن كانت هناك نشرات إخبارية News letters تحمل أخبارًا عن لبنان من وكالات أنباء ظلت موجودة طوال سنوات الحرب اللبنانية. كما أنشئت على مستوى الصحف الورقية صحيفة الشرق الأوسط لنفسها موقعًا في ديسمبر 1995، ثم تلتها صحيفة “الحياة” في الأول من يونيو عام 1996، و”السفير” في نهاية العام نفسه.

ثانيًا: سمات الصحافة الإلكترونية:

وتتميز الصحافة الإلكترونية بالعديد من السمات التي تميزها عن الصحافة التقليدية، نذكر منها:

1- النقل الفوري للأخبار ومتابعة التطورات التي تطرأ عليها مع قابلية تعديل النصوص في أي وقت، مما جعلها تنافس الوسائل الإعلامية التقليدية الأخرى كالإذاعة والتليفزيون، بل إن الصحف الإلكترونية باتت تنافس هاتين الوسيلتين في عنصر الفورية الذي احتكرته، وبدأت تسبق القنوات الفضائية التي تبث الأخبار في مواعيد ثابتة، فيما يجري نشر بعض الأخبار في الصحف الإلكترونية بعد أقل من 30 ثانية، من وقوع الحدث.

2- قدرة الصحف الإلكترونية على اختراق الحدود والقارات والدول دون رقابة أو موانع أو رسوم، بل بشكل فوري ورخيص التكاليف، وذلك عبر الإنترنت، وبذلك فإن صحفًا ورقية مغمورة بات بمقدورها أن تنافس من خلال نسختها الإلكترونية صحفًا دولية كبيرة إذا تمكنت من تقديم أشكال تقنية متقدمة، ومهارات إرسال، ونوعية جيدة من المضامين، وخدمات متميزة، لأن الإرسال عبر الإنترنت سيعني بالضرورة منح الصحف الإلكترونية صبغة عالمية بغض النظر عن إمكانياتها، ولأن المضامين هنا يجب أن تكون متوافقة مع هذه الصبغة العالمية, فإن البعض بدا يتساءل بجدية عما إذا كان يصح إطلاق صفة “الصحيفة المحلية” على الصحف التقليدية التي تصدر لها طبعات إلكترونية.

3- التكاليف المالية؛ فالنشر الإلكتروني للصحف عبر شبكة الإنترنت أقل بكثير مما هو مطلوب لإصدار صحيفة ورقية، فهي لا تحتاج إلى توفير المباني والمطابع والورق، ومستلزمات الطباعة، ناهيك عن متطلبات التوزيع والتسويق، والعدد الكبير من المحررين والموظفين والعمال.

4- لجوء معظم الصحف الإلكترونية إلى التمويل من خلال الإعلانات، وقد أصبح الإعلان المتكرر على كل صفحة في الصحيفة الإلكترونية بإعلان اليافطة Banner هو مصدر الدخل لهذه الصحف, وكشف المختصون المشاركون في مؤتمر “ايفر الشرق الأوسط” الثاني للنشر الصحفي الذي استضافته مؤسسة الإمارات للإعلام في أبوظبي، أن حصة الصحف من الإعلانات على مستوى العالم أكثر بأربعة أضعاف حصة التليفزيون والإنترنت.

5- توفر تقنية الصحافة الإلكترونية إمكانية الحصول على إحصاءات دقيقة عن زوار مواقع الصحيفة الإلكترونية، وتوفر مؤشرات عن أعداد قراءتها وبعض المعلومات عنهم، كما تمكنها من التواصل معهم بشكل مستمر.

6- منحت تقنيات الصحافة الإلكترونية عملية رجع الصدى “Feed Back”، وهي إمكانية حقيقية لم تكن متوفرة من قبل بوسائل الإعلام، وخصوصًا بالنسبة للصحافة، وبات الحديث ممكنًا عن تفاعل بين الصحف والقراء بعد أن ظلت العلاقة محدودة وهامشية طيلة عمر الصحافة الورقية. ويمكن أن يجد متصفح مواقع الصحف الإلكترونية حقولاً خاصة في شتى الصفحات تتضمن الطلب من القارئ أن يبدي رأيًا حول الموضوع المنشور، أو يكتب تعليقًا عليه، وفي حالة قيام المستخدم بذلك سيظهر تعليقه فورًا على موقع الصحيفة حيث يصبح بإمكان المستخدمين في أي مكان الاطلاع عليه، وتشمل هذه الإمكانية بطبيعة الحال رسائل القراء التي تنشر فوريًّا على صفحات الصحيفة الإلكترونية.

لقد رسخت الصحافة الإلكترونية وجودها عبر الزمن القصير نسبيًّا، وأصبح لها معاييرها وتقاليدها الخاصة، والأكثر أهمية أنها استطاعت أن تستقطب جمهورًا واسعًا على حساب جمهور الصحافة التقليدية، وهذا ما تعكسه العديد من المؤشرات أهمها:(3)

  1. النمو الهائل في أعداد الصحف والمواقع الإخبارية ذات الصلة على شبكة الإنترنت، وكذلك أعداد زوار وجمهور هذا النوع من الصحافة.
  2. أغلب وسائل الإعلام والصحف التقليدية، أنشئت لها مواقع على الإنترنت، وراحت تقدم موادها وخدماتها لمستخدمي الإنترنت، وتفسح مساحات واسعة لهذا الأمر، بل إن بعض الصحف التقليدية الكبرى مثل صحيفة كرستيان ساينس مونتر، قد أغلقت طبعتها الورقية واكتفت بوجودها من خلال صحيفة إلكترونية على الإنترنت.
  3. نزوع الصحف التقليدية “المطبوعات” إلى استعارة بعض من خصائص وسمات الصحافة الإلكترونية لغرض المواكبة والمنافسة، مثل: النزعة نحو زيادة المادة البصرية أو ما يسمى بالصحافة البصرية visual Journalism، وكذلك طريقة تصميم وإخراج الصحف التي باتت تشبه بمنظر صفحاتها الأولى مواقع الإنترنت من حيث الترتيب والمحتوى وأسلوب العرض، وحتي نظام الملاحة والتجوال Navigation، إذ تستخدم بعض الصحف أسلوب التنويه أو إشارات لما تتضمنه الصفحات الداخلية من مواضيع توضع في مربعات على الصفحة الأولى.

أنواع التفاعلية في الصحف الإلكترونية:

ونظرًا لأهمية التفاعل في تعاطي المستخدم مع مواقع الصحف الإلكترونية، فلقد قسم Deuze التفاعلية في الصحف الإلكترونية إلى ثلاث أنواع:(4)

أ- تفاعلية التجوال “الإبحار” Navigational Interactivity:

حيث تتيح هذه الخاصية انتقال القارئ أو مستخدم الصحافة الإلكترونية إلى الصفحة اللاحقة أو السابقة، أو العودة إلى البداية… إلخ.

ب – التفاعلية الوظيفية  Functional Interactivity:

من خلال وسيلة وحزمة البريد المباشر  Direct Mail.

جـ- التفاعلية المتبناه Adapted Interactivity:

وهي التفاعلية التي تتبناها المواقع الإلكترونية من خلال خدمة غرف الحوار المباشر أو المنتديات Chat Room، حيث يتم التفاعل بين الجمهور فيما بينهم من جهة، وبين الجمهور ومنتجيها من جهة ثانية.

– لقد أحدثت المواقع الصحفية بما تملكه من إمكانيات تفاعلية انقلابًا كبيرًا في الوسط الإعلامي والصحافي، وأدخلت على الصحافة أشكالاً جديدة مست الجوهر والشكل، ويمكن تقسيم هذا التطور إلى عدة مستويات:(5)

1- تطور على مستوى القارئ:

فقد اتفقت معظم الدراسات على أن معظم مستخدمي الإنترنت هم من الشباب، حيث أصبح لدى القارئ الفرصة لتمرير الخبر الذي يريده إلى كثير من أصدقائه بمجرد الضغط على زر واحد وهو Forward، كما لديه الفرصة للتعليق بشكل مباشر على الموضوع، وبنشر الرد في اللحظة نفسها، حيث تتيح كثير من المواقع كتابة التعليق في أسفل المقال أو الموضوع، أو ينشر الرد آليًّا دون الخضوع لأي رقابة.

وغالبًا ما يريد الشباب الخبر السريع والملخص، وقد وفرته المواقع الإلكترونية، حيث دائمًا ما ينشر الخبر بعنوان فقرة واحدة أسفل العنوان تلخص الخبر، مع كتابة كلمة “المزيد” لمن يريد الاطلاع على التفاصيل، وقد فتحت هذه الطريقة الباب لإرسال الرسائل الإخبارية على الخلوي SMS لتقدم كخدمة إخبارية من بعض المواقع الإخبارية أو من وكالات الأنباء، وهي وسيلة تجذب الشباب كثيرًا لأنهم يقرؤون عنوان الخبر فقط، ويعرفون ما يحدث حولهم دون الحاجة للخوض في التفاصيل، وقراءة الكثير من التقارير والتحقيقات .

2- تطور على مستوى مصادر المعلومات:

لم تعد المصادر الصحفية هي فقط تصريحات الوزير أو أي مسئول، بل إن المواطن العادي أصبح مصورًا صحفيًّا؛ لأنه هو الذي يشارك في المظاهرة، أو لأنه هو صاحب الشكوى والمتضرر من مشكلة ما، بل قد يكون شاهد عيان على حدث ما، وهو ما يمثل مصادر محددة للصحفي الإلكتروني يستقي منها أخباره. قد تكون رسالة جاءت على الإيميل للمحرر، يبدأ في البحث وراءها، واستخراج قصة خبرية رائعة منها، وقد تكون تجربة شخصية لمواطن يتم بناء تقرير إخباري عليها، وقد يتم الاستعانة بكتابة أخبار من بعض المدونات وذكر المدونة كمصدر.

3- تطور على مستوى الخبر:  

لا شك في أن سرعة تناول الخبر وبثه هي أهم ما يميز التطور الذي حدث مع مواقع الإنترنت الصحفية، إلا أن هناك ميزة أخرى تمثلت بإمكانية وضع لقطات فيديو معبرة عن الخبر، وهي ميزة لن تتوافر بأي حال من الأحوال في الصحافة المطبوعة، كما تتفوق على القنوات الفضائية الإخبارية، نظرًا لإمكانية الاطلاع على الخبر في أي وقت، بينما ينتهي الخبر في القناة الفضائية بإذاعته.

4- تطور على مستوى الصحافة: أوجدت المواقع الإلكترونية بتقنياتها المتعددة، ما يسمي بصحافة “الميديا”، الوسائط المتعددة Multimedia، حيث يرفق الخبر أو الموضوع بالصور وملفات الصوت، وملفات الفيديو، إضافة إلى تعليقات القراء كما ذكرنا، وإضافة الروابط ذات الصلة، مما جعل الصحافة الإلكترونية تختلف كوسيلة إعلامية في مفهومها، ليتوسع هذا المفهوم، ويحتوي على عدد من الوسائل الإعلامية الأخرى، وهو ما لم يستفد منه أصحاب الصحف الورقية عندما صمموا مواقع لصحفهم على الإنترنت.


(1) أمين عبدالعزيز ذبلان أبو وردة، أثر المواقع الإلكترونية الإخبارية الفلسطينية على التوجه والانتماء السياسي “طلبة جامعة النجاح الوطنية نموذجًا 2000- 2007″، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، 2008، ص37.

(2) فارس حسن شكر المهراوى، صحافة الإنترنت “دراسة تحليلية للصحف الإلكترونية المرتبطة بالفضائيات الإخبارية – العربية نت نموذجًا”، رسالة ماجستير غير منشورة، الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك: كلية الآداب والتربية، 2007، ص59.

(3) جاسم محمد الشيخ جابر، الصحافة الإلكترونية العربية، المعايير الفنية والمهنية “دراسة تحليلية لعينة من الصحف العربية”، سلطنة عمان، كلية العلوم التطبيقية – صحار، مؤتمر البحرين الدولي، 2009، ص4.

(4) جاسم محمد الشيخ جابر، مرجع سابق، ص7.

(5) أمين عبد العزيز ذبلان أبو وردة، مرجع سابق، ص.ص 68-69.