فتحت نظرية المجال العام الطريق لميلاد نظرية الوسائل الديموقراطية، حيث يوفر المجال العام إطارًا مرجعيًّا لمؤيدي إمكانية وجود نظام إعلامي ديموقراطي. وقد ظهر…

فتحت نظرية المجال العام الطريق لميلاد نظرية الوسائل الديموقراطية، حيث يوفر المجال العام إطارًا مرجعيًّا لمؤيدي إمكانية وجود نظام إعلامي ديموقراطي.

وقد ظهر مصطلح المجال العام Puplique Shpere في بداية الستينيات من خلال الفيلسوف الألماني Jurgen Habermas، بهدف تقديم تحليل للمجال العام في ارتباطه بفئة معينة في فترة محددة، من خلال العملية التي من خلالها يستطيع المواطنون الراشدون استيعاب المجال العام الذي تسيطر عليه السلطات، وتحويله إلى مجال ينتقد سلطات الدولة (1).

– وعن ماهية المجال العام يقول “هابرماس” (2):

“نعني بالدرجة الأولى بمصطلح المجال العام: هو الحيز من الحياة الاجتماعية، والذي من خلاله شيء ما يشبه الرأي العام يمكن أن يتشكل، ويكون الدخول إليه مكفولاً لجميع المواطنين. جانب من المجال العام يتعلق بكونه في كل محادثة والتي من خلالها يجتمع أشخاص معينون ليشكلوا كيانًا عامًّا. إنهم إذن يتصرفون ليسوا كرجال أعمال أو أشخاص محترفين يجرون أعمالاً خاصة، أو أعضاء في نظام دستوري خاضعون لقيود قانونية هي جزء من بيروقراطية الدولة، ولكنّ المواطنين يتصرفون ككيان عام حينما يتحاورون بطريقة غير مقيدة، ويكفل ذلك حرية الاجتماع والاتحاد والحرية في السرعة، ونشر آرائهم حول قضايا تشكل اهتمامات عامة في كيان عام كبير، هذا النوع من الاتصال يتطلب وسائل محددة لنقل المعلومات، والتأثير في هؤلاء الذين يستقبلونها”.

– وتبعًا لهابرماس، ارتبط نجاح الثورات في أوروبا، وبزوغ الطبقة البرجوازية والمجتمعات الديموقراطية في القرن السابع عشر والثامن عشر بظهور مفهوم المجال العام المخصص للخطابات الديموقراطية. ويوجد المجال العام في مساحة تقع بين الدولة والمجتمع المدني، أي في موقع مستقل عن تحكم الدولة وعن تحكم رجال الأعمال. وهو مجال يتسم بالحوار والمناقشة، ويسمح لمواطنين بالاتصال ودراسة الشئون العامة والحالية، ومناقشتها من خلال الوسائل الإعلامية التي تمثل إحدى مكونات المجال العام، دون خوف من السلطة السياسية والاقتصادية. وبالنسبة لـ Habermas وجود مجال عام هو شرط أساسي لممارسة الديموقراطية، وعمليًّا فهو يعتبر المجال العام مجالاً للنقاش وتبادل الآراء.

– ويرى هابرماس أن المجال العام يفقد من فاعليته في تغذية الحياة الديموقراطية لحظة تدخل الدولة أو عالم الأعمال، أو من خلال الاثنين معًا. إذن يقصد بالمجال العام والذي يقابلة المجال الخاص Privte  Sphere، تلك المساحة الاجتماعية التي تقع بين السوق والحكومة، وهي المساحة التي لا تتعلق بالسوق أو بالأهداف التجارية والربحية، ولا ترتبط بتنظيم حكومي أو بتدخل الدولة، وإنما هي مساحة قادرة على حث الناس على مناقشة القضايا العامة دون الخوف من الآثار المترتبة على ذلك.

– ومن هنا يشير هابرماس أن المناقشات التي تجرى من قبل المواطنين لابد وأن تعتمد على الرؤية النقدية والعقل الرشيد، وبالنسبة له فإن إرساء قواعد التفكير المنطقي هي المحك الأساسي في التعارض القائم بين المجال العام والسلطة.

– في هذا السياق، يتساوى جميع المواطنين وكذلك حججهم إذا كانت قائمة على العقل والمنطق. ومن هذا المنظور، فإن إعلان ونشر هذه الحجج – انطلاقًا من مبدأ التعبير والشفافية – هو أمر ضرورى، ومن ثم فقد أطلق Habermas على عملية الإعلان هذه مفهوم المجال العام(3). وسوف نأخذ من نظرية المجال العام منطلقًا نظريًّا لدراستنا، محاولين التعرف على طبيعة الإنترنت كمجال عام، وما وفرته الشبكة للمستخدم من مساحات للحرية والنقاشات السياسية، وما ترتب على توفر مثل هذا المجال للشباب بصفة خاصة في وقتنا الراهن من حراك مجتمعي، يسعى إلى تغيير الواقع السياسي، والتعرف على حجم الممارسة السياسية من خلال شبكة الإنترنت ومستوياتها المختلفة، وكيفية انتقال هذا الحراك من الفضاء الإلكتروني إلى الواقع، ومن السرية إلى العلنية.


(1) ثريا أحمد البدوى، الإعلام والمواطنة في مصر: تعزيز أم تهديد؟، بحث مقدم لمؤتمر الرابطة الدولية لبحوث الإعلام والاتصال، الجامعة الأمريكية, قسم الصحافة والإعلام، 2006، ص 12.

(2) (Jurgen Habermas, The public sphere ” An Encyclopedia Article 1964″, New German critique. No.3 (Autumn: 1974), p.p. 49-55.

Also Available at: http://www.jstor.org/stable/487737 

(3) ثريا أحمد بدوى، مرجع سابق، ص 13 .