تختلف مستويات التأثير الإعلامي طبقًا للمستوى الثقافي والتعليمي للمتلقي للمادة الإعلامية وما يترتب عليه من تدرج في مستويات التأثير، لذا وجب إلقاء الضوء…

تختلف مستويات التأثير الإعلامي طبقًا للمستوى الثقافي والتعليمي للمتلقي للمادة الإعلامية وما يترتب عليه من تدرج في مستويات التأثير، لذا وجب إلقاء الضوء على أثر الفجوة المعرفية على مستويات التأثير كالتالي:

  • فجوة المعرفة ومستويات التأثير:

في الوقت الذي يبدو فيه أن من أهداف الاتصال الجماهيري توحيد المواقف العامة وأسلوب السلوك العام نتيجة لتوحيد التوجيه، فإن هذه المحاولة قد تأتي بنتائج عكسية في المجال التعليمي، وخاصة ما يتعلق منه بالتدريب المهني. فبدلاً من أن تتوحد أساليب العمل في فرع محدد من الفروع التي يتناولها التدريب على النحو الذي يتطلبه الإنتاج الموسع، يتدخل تفاوت مستويات الجماهير واختلاف فهمهم لما يقصده المدرب، فتكون النتيجة تفاوتًا في أسلوب الأداء ومعدلاته لا يمكن تقويمه إلا بتدريب من نوع آخر، تقوم فيه صلة مباشرة وفهم متبادل بين المدرب وتلاميذه، أي عن طريق مخاطبة جمهور خاص أو متخصص بعيدًا عن شمول الاتصال الجماهيري(1).

ومن الأسباب الرئيسية لوجود هذه الفجوة المعرفية هو أن الأفراد الذين تلقوا تعليمًا عاليًا يميلون لأن يتعلموا بطريقة أسرع وأكثر كفاءة من الأفراد الذين تلقوا تعليمًا أقل، وقد بين كل من فليب تكنور Philip Teknor وجورج دونوهيور George L. Donohue وكلاريس أولين  Claris Olinأنه “نظرًا لازدياد تغلغل معلومات الاتصال الجماهيري في النظام الاجتماعي؛ فإن شرائح السكان ذات المكانة الاجتماعية والاقتصادية العالية تميل لأن تكتسب هذه المعلومات بمعدل أسرع من الشرائح ذات المكانة الدنيا، وبالتالي فإن الفجوة في المعرفة بين هذه الشرائح تميل إلى الزيادة وليس إلى النقصان”(2).

وهناك العديد من العوامل التي تسهم في زيادة الفجوة المعرفية بين الأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية والاقتصادية العليا والدنيا هي(3):

  • الفروق في مهارات الاتصال.
  • الفروق في كمية المعلومات المخزنة.
  • الفروق في التواصل الاجتماعي مع ذوي الاطلاع الواسع.
  • قد لا يجد أصحاب المكانة الاجتماعية والاقتصادية المتدنية معلومات بشأن الشئون العامة أو أخبار العلوم تتفق مع قيمهم واتجاهاتهم؛ وبالتالي يكون لديهم مستويات عليا من التعرض والحفظ الانتقائي لمعظم الأخبار السياسية.
  • عادة ما تتوجه وسائل الإعلام الجماهيري نحو الأشخاص ذوي المكانة الاجتماعية والاقتصادية العليا علي أساس أن ذوي المكانة المتدنية قد يجدون صعوبة في فهم الأخبار.
  • لدى الناس ذوي المستويات العليا من التعليم عادات جيدة في التعلم.

من جهة أخرى تلعب البيئة الاجتماعية دورًا هامًا في الفجوة المعرفية. وقد وجد ليرنر Lerner في الديموقراطيات الغربية على وجه الخصوص أن التحضر أو التمدن Urbanization (والتصنيع جزء منه) يؤدي إلى زيادة التعليم وتقليل نسبة الأمية، وأن زيادة التعليم تؤدي بدورها إلى زيادة التعرض لوسائل الإعلام، وأن زيادة التعرض لوسائل الإعلام يتم جنبًا إلى جنب مع كل من المشاركة الاقتصادية الأكبر (زيادة دخل الفرد) ومع المشاركة السياسية (التصويت)(4).

لكنه، وفي مقابل هذه الصعوبات كلها تقوم ميزة هامة للغاية، وخاصة بالنسبة للبلاد النامية ذات الموارد المحدودة، وهي الانخفاض النسبي في تكاليف إبلاغ الرسالة لاسيما إذا كانت رسالة تعليمية، عن طريق وسائل الاتصال الجماهيري، وفي مقدمتها الراديو والتلفزيون(5).

رابعًا: الإعلام ومحو الأمية وتعليم المرأة:

تتسم الدول المتخلفة والنامية ومنها الدول العربية بارتفاع نسبة الأمية بين السكان وبالتحديد في جيل الآباء والأمهات، ووما لاريب فيه أن هناك فجوة كبيرة بين المتعلم والأمي، فالأمي ذو صفات شخصية متدنية في معظمها إذ يتسم بغياب القراءة والكتابة، كما يعد بيئة خصبة للجهل وتقبل الشائعات ورفض التحديث وضعف المشاركة في العمل السياسي، ومن هنا تأتي أهمية وسائل الإعلام في مشاركة المؤسسات التعليمية والمنظمات المجتمعية العاملة في مجال محو الأمية(6).

يستطيع التلفزيون من خلال برامجه التربوية والتثقيفية في إطار الخطة الموضوعة له في مجال محو الأمية، وبالتنسيق مع الجماعات المرجعية كالعائلة والمدرسة وأماكن العمل والعبادة والمجتمع المحلي والشريحة أو الطبقة الاجتماعية ووسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى تغيير السلوك الاجتماعي والتربوي عند الدارسين، فسلوك الدارس قد يتغير من سلوك يتسم بالانفعالية واللاعقلانية والتهرب من المسؤولية والجهل وضيق التفكير إلى سلوك يتسم بالمثالية والعقلانية وتحمل المسؤولية والإدراك الثاقب للقضايا والأمور المحيطة به، بيد أن مثل هذا التغيير لا يمكن أن يتم دون قيام التلفزيون بتخطيط وبرمجة نشاطاته الإعلامية والتثقيفية خصوصًا تلك التي تتعلق بمحو الأمية وتعليم الكبار، ونشاطات محو الأمية وتعليم الكبار التي يمكن أن يتعهد بها التلفزيون، والتي تكفل تغيير سلوك الدارسين نحو الأحسن والأفضل. ويمكن أن يحدث ذلك من خلال المسارات التالية:

  1. يستطيع التلفزيون من خلال الندوات واللقاءات والمحاضرات العلمية التي يلقيها الخبراء والمختصون حث الدارسين على الدوام المستمر في مراكز محو الأمية، والسعي والاجتهاد، ومواصلة الدراسة الأساسية والعليا.
  2. عن طريق الأفلام والمسلسلات الثقافية والتعليمية، يستطيع التلفزيون تقوية العلاقات الاجتماعية والتربوية بين المعلمين والدارسين من جهة، وبين الدارسين وعوائلهم من جهة أخرى.
  3. من خلال التمثيليات والأمثال والحكم الشعبية والوطنية يستطيع التلفزيون زرع القيم والممارسات…التي تدفعهم نحو البذل والعطاء في سبيل بناء وتقدم المجتمع .
  4. عن طريق دروس محو الأمية التي تبث من محطات التلفزيون يؤدي التلفزيون دوره المؤثر في تعليم الدارسين مبادئ القراءة والكتابة والحساب مع المعلومات والفنون الحضارية الأخرى التي يحتاجها أبناء المجتمع المعاصر.
  5. يمكن أن يلعب التلفزيون الدور البارز في تحفيز الدارسين على الاستفادة من أوقاتهم اليومية في ممارسة فعاليات العمل والإنتاج، وفعاليات الدراسة والتعلم، وفعاليات الفراغ والترويح.

وتؤدي وسائل الإعلام في إطار الخطة الموضوعة لها دورًا هامًا أيضًا في خلق المناخ الاجتماعي الذي يمكن أن تزدهر فيه حملات محو الأمية، وفي خلق تقبل لقيمة التغيير الاجتماعي والاستعداد للمشاركة فيه حتى لا تكون هناك حاجة إلى الطرق الجبرية، كما أنها تساعد على انتشار التعليم والحيلولة دون ارتداد من تعلموا القراءة والكتابة إلى الأمية(7).

وعلى هذا الأساس يتركز الهدف الأساسي لوسائل الإعلام في مجال محو الأمية في تنشيط العمل الاجتماعي المؤسس على محو الأمية، وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق الخطوات والوظائف الثلاث التالية لوسائل الإعلام(8):

  1. استثارة الحاجات والدوافع لدى المواطنين بالنسبة لبرنامج محو الأمية وتوضيح أهميته ومزاياه وفوائده.
  2. الإسهام في العملية التعليمية كوسيلة تعليمية مستخدمة ضمن البرنامج.
  3. المساندة الإعلامية المستمرة لبرنامج محو الأمية عن طريق مساعدة المتعلمين الجدد على القراءة والكتابة لتأكيد وتطوير عادات جديدة، والحفاظ على خبراتهم المكتسبة حديثًا في القراءة والكتابة وتطويرها، والتدريب على الطرق الجديدة التي تعلموها في المجالات المختلفة كالزراعة والصناعة والنشاطات الاجتماعية المختلفة.
  4. دور وسائل الإعلام في تثقيف المرأة:

تؤدي المرأة دورًا هائلاً في التنمية الاجتماعية باعتبارها الأم المسئولة عن تنشئة الأجيال الجديدة وتوجيهها وفق المتطلبات الحديثة، كما أنها ذات تأثير كبير في إكساب أطفالها أنماط العلاقات الاجتماعية والسلوكية المختلفة التى يجب أن تتوائم مع الأنماط السوية السائدة فى المجتمع، حتى لا يتعرض الأطفال للعديد من المشكلات والضغوط النفسية والاجتماعية التي تعيق عملية التنشئة الاجتماعية والتربوية الصحيحة.

هذا فضلاً عن حاجة المجتمع إلى المرأة فى بعض مجالات العمل التي تصلح فيها أكثر من الذكور كالتعليم النسائى والطب، بالإضافة إلى دور المرأة كربة بيت مسئولة مسئولية متكاملة عن توفير وتهيئة كافة الاحتياجات التي تتطلبها الحياة الأسرية.

الثابت إذن أن للمرأة دورًا وطنيًّا ذو شأن كبير، ومن هنا تأتى أهمية اهتمام وسائل الإعلام بها من حيث التثقيف ورفع المستوى والتوعية وزيادة الإدراك بالمسئولية الاجتماعية والتربوية الملقاة على عاتقها، هذا فضلاً عن إكسابها مهارات جديدة مهمة للشئون المنزلية والرعاية الصحية والنظافة والصناعات المنزلية وغيرها، هذا بخلاف ما تم عرضه من دور وسائل الإعلام فى محو الأمية الهجائية والثقافية والوظيفية والذى يشمل ربات البيوت بالطبع ضمن من يشملهم من كافة القطاعات المكونة للمجتمع. ويتطلب هذا الدور الهام ضرورة تصميم برامج ذات طبيعة خاصة توجه إلى ربات البيوت في فترات مناسبة لهن، والاهتمام بالصحافة النسائية وتدعيم مضمونها ومواصلة استخدام البرامج الإعلامية المصممة للإناث؛ من أجل تحقيق الأهداف التثقيفية والاجتماعية والتربوية المطلوبة، وبالأخص الإذاعات والقنوات الموجهة للمرأة(9).


(1) منال طلعت محمود، مدخل إلى علم الاتصال، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2002، ص.ص 189، 190.

(2) ماكس ماكومز وآخرون، الأخبار والرأي العام: آثار الإعلام على الحياة المدنية، ترجمة محمد صفوت حسن أحمد، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2012، ص 109.

(3) المرجع السابق، ص 110.

(4) أحمد بدر، الإعلام الدولي: دراسات في الاتصال والدعاية الدولية، دار قباء للدعاية والنشر، القاهرة، 1998، ص37.

(5) منال طلعت محمود، مدخل إلى علم الاتصال، مرجع سابق، ص.ص 189، 190.

(6) محمد عمر الطنوبي، التغير الاجتماعي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1995، ص.ص 139، 140.

(7) شعباني مالك، دور التلفزيون في التنشئة الاجتماعية، جامعة محمد خيضر- بسكرة، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد السابع – يناير، الجزائر، 2012، ص 221.

(8) المرجع السابق، ص 222.

(9) عاطف عدلي العبد ونهى عاطف العبد، الإعلام التنموي والتغير الاجتماعي، مرجع سابق، ص 65.