يرى “مارشال ماكلوهان Marshall McLuhan” أن الوسيلة أبلغ في التأثير من الرسالة وهو صاحب المقولة الشهيرة: (الرسالة هي الوسيلة)، وأن كل الوسائل التي…

يرى “مارشال ماكلوهان Marshall McLuhan” أن الوسيلة أبلغ في التأثير من الرسالة وهو صاحب المقولة الشهيرة: (الرسالة هي الوسيلة)، وأن كل الوسائل التي اخترعها الإنسان في الكون هي امتداد لحواسه، ويرى أن التلفزيون وسيلة مهمة لتغيير المجتمع، بعدما استطاع أن يجعل العالم كله قرية كونية صغيرة، كما اعتبر هذا الفيلسوف الكندي أن هذا الجهاز أرجع الإنسان إلى محيطه الطبيعي بعد أن أبعدته الطباعة عنه، وجعلته يستعمل حاسة النظر فقط، مما جعله أسيرًا للمطبوع ودفعته للاغتراب منذ القرن الخامس عشر، مما سيمكنه من استعمال جميع حواسه، ويرى ماكلوهان أنه مادامت الوسيلة جيدة فالرسالة حتمًا ستكون كذلك جيدة وتسمح للمشاهد بالمشاركة والتفاعل العميق مع جهاز (التلفزيون)(1).

ويجدر الإشارة هنا إلى أن مجموعة المنهجيات التحليلية المرتبطة بفهم التأثير الإعلامي تتسع أكثر عندما ننظر إلى التراث الإعلامي على أن هدفه هو التنمية والتنمية الإعلامية. والعمل في هذا المجال يركز إما على فهم دور حملات الاتصال الاستراتيجية في إحراز أهداف التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للشعوب أو المجتمعات، أو التركيز على فهم جهود تطوير نظم إعلامية موظفة جيدًا لتلبي احتياجات الأفراد في الدول أو المجتمعات التي تكون فيها هذه النظم لا تزال تحت التطوير.

وستكون القضية التي تخدمها التنمية الإعلامية هي (تعزيز التغير الاجتماعي من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات وفرص التعبير)، والعمل في هذا المجال يعتبر ملائمًا تمامًا ضمن سياق التأثير الإعلامي الذي يناقش هنا. ونفس الشئ يمكن أن يقال عن تنمية العمل الإعلامي، مع التأكيد على استخدام استراتيجية الاتصال من أجل التنمية السياسية، والدعم المؤسسي وتحسين رفاهية المجتمع(2).

وترتبط التنمية الإعلامية لوسائل الإعلام بدرجة كبيرة بمدى إمكانية استخدام هذه الوسائل في ميدان التعليم والبحث العلمي كهدف للتنمية الإعلامية، وكذلك التنمية الاجتماعية الشاملة. حيث إن استخدامها ضمن الوسائل التعليمية يفيد المعلم والمتعلم والمادة التعليمية على حد سواء وذلك على النحو التالي(3):

  1. أهمية وسائل الإعلام للمعلم:
  2. تعمل هذه الوسائل على مساعدة المعلم وتحسين أدائه في إدارة الموقف التعليمي.
  3. تساعد على رفع درجة كفاءة المعلم المهنية واستعداده.
  4. تغير دور المعلم من مجرد ناقل للمعلومات وملقن، إلى دور المخطط والمقوم للتعلم.
  5. تساعد وسائل الإعلام المعلم في العملية التعليمية على حسن عرض المادة المراد توصيلها للتلاميذ والتحكم فيها من خلال هذه الوسائل ليتمكن التلاميذ من متابعة المادة بطريقة جيدة وواضحة.
  6. تمكن هذه الوسائل من استخدام كل الوقت المتاح للتعليم بشكل أفضل.
  7. توفر هذه الوسائل الجهد والوقت المبذولين من قبل المعلم، حيث يمكن استخدام الوسيلة التعليمية أكثر من مرة.
  8. تساعد وسائل الإعلام في التعليم على إثارة الدافعية لدى الطلبة، وذلك من خلال القيام بالنشاطات التعليمية لحل المشكلات واكتشاف الحقائق.
  9. أهمية وسائل الإعلام للمتعلم:

إن وسائل الإعلام تنمي في المتعلم حب الاستطلاع وترغبه في التعلم، لأن المتعلم يرغب في الوسائل والأدوات التعليمية الجديدة التي تعتبر بدورها محفزات لاكتساب المعارف.

  • أهمية وسائل الإعلام للمادة التعليمية:

تساعد على توصيل المعلومات والمواقف والاتجاهات والمهارات المتضمنة في المادة التعليمية إلى المتعلمين، وبالتالي فهي تساعدهم على إدراك هذه المعلومات إدراكًا متقاربًا، وإن اختلفت المستويات، كما أنها تساعد على إبقاء المعلومات حية في ذهن المتعلم، كذلك فهي تبسط المعلومات المتضمنة في المادة التعليمية وتعمل على توضيحها.

وفي هذا السياق عبر ولبرشرام Wilbur Schramm في مؤلفه “وسائل الإعلام والتنمية الوطنية” عام (1964) عن يقينه بأن وسائل الاتصال الجماهيرية تستطيع أن تعاون معاونة كبيرة في جميع أنماط التعليم والتدريب، فقد أثبتت التجارب فاعليتها في ظروف عديدة مختلفة داخل المدرسة وخارجها. وأثبتت قدرتها على تكملة العمل المدرسي وإثرائه عندما عز توافر هيئة التدريس والمدارس، وأثبتت قدرتها على التكفل بقدر كبير من مهمة التعليم وأثبتت قدرتها الفائقة في مجال تعليم الكبار والتدريب على القراءة والكتابة، ثم إنها كانت عونًا فعليًّا في التدريب الصناعي والخدمات الفنية وتدريب المدرسين والعاملين(4).

  • ما يميز الإعلام كوسيلة تعليمية عن المؤسسات التربوية:

تتميز وسائل الإعلام كوسيلة تعليمية عن المؤسسات التربوية بالعديد من المميزات، ويمكن التمييز بين دور الإعلام ودور التربية في المجتمع المعاصر على النحو التالي(5):

  • تتميز وسائل الإعلام بسرعة تجاوبها مع المستجدات العلمية والتكنولوجية، وهذا الأمر لا يتوافر للتربية، كما تتوافر في وسائل الإعلام عدة مميزات أخرى لا يتمتع بها غيرها من الوسائط التربوية، فهي تقدم خبرات ثقافية متنوعة، ونماذج سلوكية، إضافة إلى أنها تنقل إلى الأفراد خبرات ليست في مجال تفاعلاتهم البيئية والاجتماعية المباشرة.
  • يعكس الإعلام الثقافة العامة للمجتمع جنبًا إلى جنب مع الثقافات الفرعية للفئات الاجتماعية المختلفة من خلال ما تنقله وسائله المتعددة إلى جمهوره العريض من موضوعات ومعلومات وأفكار وأخبار ومواقف من مختلف جوانب الحياة، بينما تقتصر الثقافة المدرسية على المقررات الدراسية التي تستمد أصولها من التراث الثقافي للمجتمع والبنية الأساسية للحقل المعرفي الذي يتعلمه الطلاب.
  • تؤثر التربية في تنمية الإنسان تنمية متزنة متكاملة جسميًّا وعقليًّا وخلقيًّا ووجدانيًّا وعقائديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا حتى تنمو شخصيته إلى أقصى قدر تسمح به قدراته، كما تساعد التربية في إكساب الطلاب والطالبات المفاهيم والاتجاهات والقيم والمعلومات والمهارات التي تساعدهم على التعايش مع الآخرين، وتكوين علاقات اجتماعية وطيدة معهم قائمة على الفهم والاحترام والثقة، وهذا ما تستطيع أن تقوم به وسائل الإعلام باعتبارها وسائل تربوية غير مقصودة.

وقد تحول علماء التربية المقارنة مؤخرًا لتحليل وسائل الإعلام كسبيل لفهم الطرق التي من خلالها يمكن للسياقات التاريخية والمؤسسية والثقافية والسياسية أن تجتمع لتؤثر على السياسة التعليمية. على سبيل المثال، تحول العديد من الباحثين التربويين لتحليل وسائل الاعلام لتوسيع فهمهم حول كيف، ولماذا وتحت أي الظروف تستخدم المعايير الدولية لتقييم النظم التعليمية عبر مختلف السياقات القومية. وقد أصبح ذلك موضوعًا للبحوث الأكاديمية في التربية المقارنة.

وقد تركز الجزء الأكبر من هذه البحوث جميعها على تحليل ردود أفعال وسائل الإعلام – عبر مختلف الدول – على نتائج برنامج دولي شهير واحد، ألا وهو: برنامج لتقييم الطلاب الدوليين PISA (Programme for International Student Assessment).

” (PISA)هو التقييم الدولي الذي يتم كل ثلاث سنوات من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لعينة ممثلة من الطلاب البالغين من العمر (15) عامًا من البلدان المشاركة بالمنظمة. ومقاييس التقييم في أداء الطالب كانت في المجالات الثلاثة: الرياضيات، والقراءة، والمعرفة العلمية”.

من أمثلة هذه البحوث ما يلي:

  • قام كل من تاكاياما ووالدو وسانج Takayama, Waldow and Sung (2013; 2014)  بالاعتماد على تقارير وسائل الإعلام في ثلاث دول لتوفير تحليل مقارن لردود أفعال هذه الوسائل حول نتائج PISA في أستراليا وألمانيا وكوريا الجنوبية.
  • وكذلك قام فريق من الباحثين الأوروبيين من مؤسسة Knowledge and Policy الممولة من قبل الاتحاد الأوروبي، باستخدام تقارير وسائل الإعلام، جنبًا إلى جنب مع غيرها من المصادر، لمقارنة آثار التقييمات الدولية لبرنامج(PISA)  عبر ستة سياقات دولية مختلفة.
  • وغيرها من الدراسات الأخيرة (على سبيل المثال، مارتنز ونيمان Martens and Niemann (2010)؛ فلادمو Fladmoe (2011) ، ديكسون Dixon، أرندت Arndt، مولرز Mullers، فاكوري Vakkuri، إنجلوم بلكالا Englom-Pelkkala، وهود Hood (2013)؛ دوبينز ومارتنز Dobbins and Martens (2012) أيضًا قاموا بتحليل ردود أفعال الصحافة لتقييم (PISA).

نتائج الدراسات اختلطت مع بعضها، ولكن كلها أبرزت دور الصحافة في استقبال (PISA)، والتحليلات تظهر عمومًا أهمية السياسة التعليمية الدولية ودور الاختلافات الثقافية بين الدول في تشكيل التغطية الصحفية لبرنامج (PISA)(6).


(1) شعباني مالك، دور التلفزيون في التنشئة الاجتماعية، جامعة محمد خيضر- بسكرة، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد السابع – يناير، الجزائر، 2012، ص 216.

Also available at: http://dspace.univ-ouargla.dz/jspui/bitstream/123456789/6128/1/S0714.pdf

(2) PHILIP M. NAPOLI, MEASURING MEDIA IMPACT: AN OVERVIEW OF THE FIELD, Rutgers University, School of Communication & Information, winter 2014, P 13.

Also available at: http://learcenter.org/pdf/measuringmedia.pdf

(3) شعباني مالك، مرجع سابق، ص 223.

(4) عاطف عدلي العبد ونهى عاطف العبد، الإعلام التنموي والتغير الاجتماعي، مرجع سابق، ص 37.

(5) بشار عوض جيدوري، الدور التعليمي والتثقيفي للقناة الفضائية التربوية السورية في تنمية أداء الطلاب (دراسة ميدانية) لمعرفة وجهة نظر طلاب الشهادة الثانوية العامة في مدارس محافظة دمشق الرسمية، سوريا – دمشق، مجلة جامعة دمشق، المجلد 29، العدد الأول،  2013، ص.ص 406، 407.

Also available at: http://www.damascusuniversity.edu.sy/mag/edu/images/stories/1-2013/a/393-424.pdf

(6) Nancy green saraisky, analyzing public discourse: using media content analysis to understand the policy process, columbia university, teachers college, current issues in comparative education journal 18(1), 26-41, 2015, p 29.