تطور الإعلام التلفزيوني والفضائي: ترجع بداية التطور للإذاعة المرئية إلى العام (1839) ميلادي على يد العالم الفيزيائي (ألكسندر أدموند بيكيل Alexandre-Edmond Becquerel)، وفي…

تطور الإعلام التلفزيوني والفضائي:

  1. نشأة التلفزيون:

ترجع بداية التطور للإذاعة المرئية إلى العام (1839) ميلادي على يد العالم الفيزيائي (ألكسندر أدموند بيكيل Alexandre-Edmond Becquerel)، وفي عام (1884) ميلادي اخترع العالم الألماني (بول نبكو Paul Nipkow) عملية المسح الصوري الأسطوري والمرئي والميكانيكي وطورها، وبذلك يكون التلفزيون قد دخل عصورًا تجريبية جديدة، ويعود الفضل في اختراع التلفزيون إلى العالم البريطاني (جون لوجي بيرد John Logie Baird)، الذي استطاع سنة (1924) نقل صورة غير واضحة لصليب صغير إلى شاشة صغيرة معلقة على حائط، عن طريق أجهزة استحدثها، وفي سنة (1929) قدمت هيئة الإذاعة البريطانية أول إذاعة تلفزيونية لها من استوديوهات بيرد، وفي نفس السنة (1930) أذيعت أول تمثيلية تلفزيونية من نفس الاستوديوهات، وفي سنة (1931) استطاع (جون بيرد) أن ينقل لأول مرة بالتلفزيون سباق الدربي الإنجليزي، وكان أول إرسال تلفزيوني هو إرسال تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية في (2 أكتوبر 1936)، لكنه توقف في سبتمبر (1939) بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، وتم اعتباره من الكماليات، وخشية أن تستفيد ألمانيا من الإشعاعات في تحديد الأهداف(1).

وفي سنة (1937) طور العالم الأمريكي (زاروكين zarokan) التلفزيون باختراعه صمام الأورثيكون الإلكتروني الذي أمكن له التقاط الصور التلفزيونية الواضحة، والتي نقلت أول مباراة للبيسبول للجمهور الأمريكي سنة (1939) بوضوح، وفي يوليو (1947)، أعيد إرسال التلفزيون في بريطانيا(2).

وفي المجال التجاري بدأت خدمات التلفزيون التجاري في الولايات المتحدة أول يوليو (1941) وفي نهاية عام (1942) بلغ عدد محطات التلفزيون الأمريكية (10) محطات تجارية(3).

  • مميزات وخصائص التلفزيون:

والتلفزيون على ضيق مجاله نسبيًّا مقارنة بالإذاعة (من حيث نطاق البث الأرضي) إلا أن له خصائص تميزه عن سائر وسائل الاتصال الجماهيري، أهمها كالتالي:

  • يلعب في العصر الحديث دورًا بالغ التأثير في النطاقات المحلية والإقليمية والدولية؛ لقدرته على استهواء الناس، وهو أهم وسيلة اتصال جماهيرية تستخدم على أوسع نطاق في الإعلام والتعليم والتسلية(4).
  • أذهان المشاهدين تكون دائمًا ملتصقة بالواقع ومرتبطة بحيز الحياة الواقعية، كما أن المسافة بين المشاهد والعرض تعتبر طبيعية ومباشرة، في نفس الوقت الذي تعبر فيه عن علاقة بين شخص وشخص. ولهذا فإن المؤثرات تقاس دائمًا على الواقع الفعلي، وفي ظل هذا المناخ يحس “جمهور المشاهدين” بواقعية ما هو واقعي، وبعدم واقعية غير الواقعي(5).
  • التلفزيون ملئ بالشخصيات التي توجه حديثها إلى جمهور المشاهدين بطريقة مباشرة: كضيوف البرامج، والكوميديين الذين يرددون المونولوجات، ومذيعي البرامج ومقدميها، والمحاضرين، ومقدمي البرامج التعليمية وما إلى ذلك(6).
  • أصبح مركزًا لالتقاء كل الوسائل الإعلامية ومصبًا لروافدها مثل الوكالات الصحفية ووسائل التواصل الاجتماعي(7).
  • تطور الفضائيات:

وقد أدى تطور أقمار الاتصال وأقمار البث المباشر في أواخر القرن العشرين إلى حدوث تغيرات ملموسة على الاتصال التلفزيوني، وهناك العديد من أقمار البث المباشر في أوروبا منها القمر الفرنسي TDF الذي أطلق عام (1988) ويبث إرسال القناة الفرنسية بلوس Canal Plus، والقمر الألماني للبث المباشر TVs AT2 الذي أطلق عام (1988) والقمر الأوروبى أولمبيس Olympus الذي أطلق عام (1989)، والقمر البريطاني للبث المباشر BSB عام (1989) ويحمل خمس قنوات منها قناة للأفلام وأخرى رياضية وواحدة للأطفال. وقد استغلت الولايات المتحدة أقمار الاتصال في الإعلام الدولي. وثبتت على أقمارها أهم محطة فضائية تلفزيونية هي CNN من أطلانطا، التي تبث على مدار الساعة وتصل لمعظم أنحاء العالم مستخدمة عدة أقمار صناعية. وفي آسيا تعد اليابان أكثر الدول الأسيوية اهتمامًا بنظام البث المباشر إذ تملك عدة أقمار مخصصة البث وانتقلت عام (1990) إلى السوق العالمية، عندما وقعت عقدًا كبيرًا مع شركة هيوز الأميركية لصناعة الأقمار الصناعية، لأجل إطلاق خدمات تلفزيونية مباشرة إلى المشاهدين والتي تضم (100) قناة تشتمل على قنوات للأفلام والرياضة وغيرها(8).

وفي عالمنا العربي تعتبر الفضائيات العربية التي بدأ انتشارها أواخر القرن العشرين ثورة في عالم التكنولوجيا في عصر المعلومات، حيث غيرت كل المفاهيم تغييرًا جذريًّا، فما كان يراه بالأمس بضعة آلاف، يراه اليوم عدد من سكان الكرة الأرضية يقدر بالملايين، وأصبح التنافس بين الفضائيات العربية يمثل ظاهرة صحية بالنسبة للمشاهد العربي. وتجتهد كل قناة تلفزيونية فضائية في جذب عدد أكبر من المشاهدين إليها، لأن ذلك يعود عليها بالفائدة الاقتصادية. ويرجع تاريخ الفضائيات العربية إلى (١٢ ديسمبر ١٩٩٠) الذي شهد انطلاق أول قناة فضائية عربية وهي القناة الفضائية المصرية الأولى، وبعد هذه التجربة، وما لاقته من نجاح، سعت مجموعة من الدول العربية لإنشاء محطات فضائية لها، كما قام مجموعة من المستثمرين العرب بإنشاء محطات فضائية عربية كقناة الجزيرة الفضائية الإخبارية (١٩٩٦) وقناة العربية الفضائية الإخبارية (20 – 2 – 2003) (9).

وقد بدأ مركز تلفزيون الشرق الأوسط MBC بث إرساله من لندن في (18 سبتمبر من عام 1991) كأول قناة عربية مسقلة مملوكة من قبل القطاع الخاص السعودي بين المحطات التلفزيونية العربية التي تبث إرسالها عبر الأقمار الصناعية، ويصل عدد ساعات البث إلى (24) ساعة يوميًّا وأصبح بث هذه القناة الآن من دبى. وكان رأس مال مركز تلفزيون الشرق الأوسط عند إنشائه قرابة (300) مليون دولار، وميزانيته السنوية قرابة (60) مليون دولار(10).

ومع انتشار الفضائيات في السنوات الأخيرة تحولت هذه الظاهرة إلى ظاهرة اجتماعية عامة؛ الأمر الذي دفع بالعديد من الباحثين والدارسين في مجال علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع الإعلامي والتربوي إلى دراسة هذه الظاهرة التي لها آثار اجتماعية ونفسية وثقافية، وتتبع هذه الآثار في أنماط تفكير وسلوك المشاهدين وفي مقدمتهم الشباب، ودراسة طبيعة الدور الذي تلعبه القنوات الفضائية في تشكيل اتجاهاتهم، وما قد تغرسه قي شخصيتهم من قيم وسلوكيات تؤثر في نمط حياتهم. وتعد مرحلة الجامعة من المراحل الحرجة في تكوين الشخصية، إذ يبلغ تأثر الشباب بالمحيط الخارجي الذي يعيش فيه ذروته، فهو يتعلم كيفية التعامل مع الآخرين وذلك بتكوين الصداقات مع أقرانه الطلبة وانتهاءً بالتعاون مع المثيرات البيئية التي تحيط به، ومن أهمها التلفزيون والفضائيات(11).

وتنقسم الفضائيات إلى نوعين، نوع يعتمد على الإعلانات لمواجهة تكاليف المضمون والغرض منه الإعلان عن المنتج ولكنه يجعل من المشاهدين سوقًا رائجة لمنتجات معينة، ونوع آخر يخاطب المشاهدين كجمهور في حاجة إلى الحصول على معلومات وليس كزبائن ومشترين، ووراء هذه الفضائيات إدارات وحكومات أو نخبة من أصحاب الثروات ذوي الاهتمامات السياسية أو الاقتصادية(12).

وعند الحديث عن الفضائيات لابد من التطرق إلى وجهين متناقضين لها، الوجه المتعلق بالإيجابيات، والآخر المتعلق بالسلبيات، فقد فتحت أفاقًا رحبة للمعرفة الإنسانية والاطلاع عن كثب على العالم. لمن تجاوزوا الوقوع في مخاطرها. وتتمثل أبرز إيجابيات وسلبيات الفضائيات فيما يلي:

  • إيجابيات الفضائيات:

ومن أبرز هذه الإيجابيات ما يلي(13):

  • قوة مؤثرة في تكوين الإنسان: وبخاصة في توجيه الميول والمشاعر، وتنمية القدرات والمواهب، خاصة إذا كان القائمين عليها من الخبراء والأخصائيين في المجالات النفسية والاجتماعية والتربوية المختلفة.
  • قناة حضارية سريعة التأثير في المجتمعات: فهي مقياس لتقدم الشعوب، وسبيل الدولة الحديثة في إظهار مبادئها وقيمها ومنجزاتها، وأداتها في توجيه شعبها لبلوغ أهدافها وآمالها، ووسيلتها في بناء حضارتها.
  • سبيل الأمة في التأكيد على هويتها: تحمي مبادئ الأمة وتراثها الثقافي، والوقاية من صراع الأفكار.
  • سلبيات الفضائيات:

على الرغم من الإيجابيات العديدة التي تقدمها الفضائيات إلا أننا يمكن أن نرصد العديد من السلبيات للبث الفضائي، ولقد وصف طيب تيزيني التأثير السلبي للبث الفضائي بأنه مدمر، ويقول أن الوضع العربي الراهن يمثل بنية قابلة للاختراق بكثير من السهولة والطواعية، ويرجع ذلك إلى أن الأمة العربية قد أصيبت بهزات عنيفة من الداخل والخارج، وأن علاقة عدم التكافؤ أو “اللاتكافؤ” بين الوضع العربي والوضع الغربي (الأوروبي والأمريكي) – والذي يقول أنه تبلور مع بداية التسعينيات – تكمن وراء خطورة البث الفضائي على المجتمع العربي وأن تجليات ذلك تظهر في ابتزاز المشاهد من خلال البرامج الرياضية هوسًا للشباب، والبرامج الفنية التي تجعل من الفن ظاهرة مرضية وأحاسيس متخلفة، والبرامج الجنسية التي حولت المرأة إلى سلعة(14).


(1) أشرف محمد مازن المناصير، اتجاهات طلبة الجامعات الأردنية نحو الدراما التلفزيونية في قناة MBC 1: دراسة ميدانية في الجامعة الأردنية وجامعة البترا الخاصة، رسالة ماجستير منشورة، جامعة الشرق، كلية الإعلام، الأردن، ٢٠١1، ص 27.

(2) أشرف محمد مازن المناصير، المرجع السابق، ص 28.

(3) حسن عماد مكاوي، تكنولوجيا الاتصال الحديثة في عصر المعلومات، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2009، ص44.

(4) إسماعيل علي سعد، الاتصال أساس التجمع البشري، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 2011، ص 91.

(5) سامية محمد جابر، الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث: النظرية والتطبيق، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1998، ص142.

(6) سامية محمد جابر، الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث: النظرية والتطبيق، مرجع سابق، ص 144.

(7) المرجع السابق، ص 145.

(8) أشرف محمد مازن المناصير، مرجع سابق، ص.ص 28، 29.

(9) مخلد خلف النوافعة، اتجاهات الجمهور الأردني إزاء قضايا الإرهاب التي تبثها قناتا الجزيرة والعربية الفضائيتان الإخباريتان: دراسة ميدانية، رسالة ماجستير منشورة، جامعة الشرق الأوسط للدراسات العليا، كلية الإعلام، عمان – الأردن، ٢٠١٠، ص 58.

(10) أشرف محمد مازن المناصير، مرجع سابق، ص 56.

(11) أشرف محمد مازن المناصير، مرجع سابق، ص 35.

(12) فؤادة عبد المنعم البكري، الإعلام الدولي، مؤسسة عالم الكتب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2011، ص 208.

(13) صلاح عبد الحميد، الإعلام الفضائي والمجتمع: التأثير والتأثر، مرجع سابق، ص.ص 102، 103.

(14) إنشراح الشال، وسائل الإعلام في إطار علم الاجتماع الإعلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2013، ص 140.