يؤدي الإعلام أدوارًا هامة في عملية الحراك المهني وما يرتبط بها من هجرة داخلية أو خارجية، وتعتبر عملية التغير القيمي والاجتماعي وبث أفكار…

يؤدي الإعلام أدوارًا هامة في عملية الحراك المهني وما يرتبط بها من هجرة داخلية أو خارجية، وتعتبر عملية التغير القيمي والاجتماعي وبث أفكار جديدة عبر الوسائل الإعلامية هي المحرك الرئيسي لهذه العملية.

ويؤثر التعليم بدوره (كأحد مخرجات الإعلام كما سبق ذكره) على عملية الحراك، حيث يلعب الدور الأكبر في اختيار المهنة وما يترتب على ذلك من حراك مكاني وهجرة إلى أماكن العمل، وارتباط المستوى التعليمي بالعديد من الطموحات المستقرة في نفوس الأفراد من جهة، والأفكار المستحدثة التي يتم عرضها عبر الوسائل الإعلامية الحديثة وبخاصة الفضائيات والإنترنت من جهة أخرى.

وسنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أدوار الإعلام في عملية التغير الاجتماعي والقيمي كممهد للحراك المهني والمكاني، والركائز التي يرتكز عليها الإعلام في ذلك، ثم عرض بعض المداخل النظرية حول أثر تكنولوجيا الإعلام على أفكار وثقافة الأفراد، حيث يعرض الباحث دور وسائل الإعلام في تغير القيم من خلال نظرية نشر الأفكار المستحدثة، وأيضًا دور وسائل الإعلام في تغير القيم من خلال مدخل التأثير التراكمي طويل الأمد، ثم نظرية ترتيب الأولويات عند الجمهور “وضع الأجندة”.

ثم الانتقال بعد ذلك إلى الاتصال الثقافي عبر الإعلام وأثره على طموحات وتطلعات الأفراد، وذلك من خلال عرض العوامل التي تؤثر على الاتصال الثقافي وأثرها على التغير المهني من دوافع الاتصال الثقافي عبر الفضائيات التلفزيونية وشبكة الإنترنت (والتي تشمل العامل النفسي، والتطلع إلى الاستفادة من التكنولوجيا) والخصائص الشخصية والفردية والاجتماعية، ثم إلى دور الإنترنت في الحراك المهني وما تتضمنه من بحث عن العمل والتدريب، والحصول على القروض الصغيرة من قبل المانحين الدوليين، وفرص العمل عن بعد عبر الشبكة.

ثم الانتقال أخيرًا إلى دور الإعلام في قضايا المهنة في مصر وبخاصة التلفزيون والإعلام الفضائي، من خلال استعراض بعض التراث البحثي لباحثين مصريين في هذا السياق، ثم التعرض لمسألة الهجرة الداخلية في مصر، والاختلاف بين المهاجرين وغير المهاجرين ومؤشرالتكافؤ بين الذكور والإناث طبقًا للحالة التعليمية.

أولاً: أدوار الإعلام في التغير الاجتماعي والقيمي:

ترتبط عملية الحراك المهني وما يرتبط بها من انتقال مكاني بتغير تدريجي في منظومة القيم تدفع الفرد إلى نبذ قيمة قديمة وتبني أخرى مستحدثة؛ يترتب عليها التفكير في مهنة جديدة والتخلي عن أخرى قديمة وما قد يرتبط به أحيانًا من الهجرة من مكان لآخر؛ لارتباط بعض الأعمال ببعض الأماكن دون غيرها، محدثًا بذلك تغيرًا اجتماعيًّا.

في هذا الصدد. يرى وليام أوجبرن William Ogburn أن التغير الاجتماعي يرجع إلى التكنولوجيا، بل يعتبر التكنولوجيا هي السبب الأول في التغير الاجتماعي، ففي رأيه أن التغير التكنولوجي يغير من البيئة الطبيعية والبشرية؛ ويترتب على هذا التغير التكنولوجي ظهور أساليب جديدة للسلوك بحيث تدفع الإنسان إلى التوافق والتكيف(1).

ويمكن القول بأن الإعلام من العناصر التكنولوجية الهامة في هذا الإطار؛ حيث يؤدي أدوارًا هامة في التغير الاجتماعي والقيمي، ويرتكز دور الإعلام فى التغير الاجتماعى على أربع ركائز أساسية هي كالتالي(2):

الركيزة الأولى: الاعتراف المتزايد بالدور الذى تقوم به وسائل الإعلام فى المجتمع بغض النظر عن طبيعته، ومن هنا يأتى التعليم بالدور الهام الذى تؤديه وسائل الإعلام فى مختلف المجتمعات سواء المجتمعات التقليدية أو النامية، أو المجتمعات الانتقالية، أو المجتمعات الحديثة أو المتقدمة، على الرغم من الفروق الرئيسية لدور الإعلام طبقًا لطبيعة المجتمع واحتياجاته الإعلامية.

الركيزة الثانية: اختلاف الاحتياجات الإعلامية للدول النامية والمجتمعات التقليدية والانتقالية عن الاحتياجات الإعلامية للدول المتقدمة والمجتمعات المتحضرة، ذلك أن الدول النامية تواجه العديد من المشكلات التى يقوم الإعلام بدور كبير فى مواجهتها والإسهام فى التغلب عليها ومقاومتها – بالتكامل مع السياسات والأساليب الوطنية الأخرى – كما أن التنمية الوطنية هى في مضمونها الحقيقى عملية حضارية لا تكتمل إلا بازدياد درجة الوعى الوطنى وتوافر الرغبة الحقيقية في التغيير الاجتماعي لدى المواطنين، ويقوم الإعلام بدور الوسيلة الرئيسية فى تحقيق تطوير وتقدم المجتمع اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا عن طريق ما ينقله إلى أفراد المجتمع من أفكار وقيم ومفاهيم تسهم في رفع مستواهم الفكرى والثقافي، وفى صياغة وصقل بناءهم وتكوينهم، وفى تنمية وتدعيم قدراتهم ومهاراتهم.

الركيزة الثالثة: عدم وجود حدود لجدوى وسائل الإعلام فى التنمية الوطنية، حيث تفرض طبيعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مهمات متعددة تستطيع وسائل الإعلام الاضطلاع بالكثير منها، ومن هنا فإن العبرة ليست بازدياد انتشار الوسائل الإعلامية وتواجدها بأعداد كبيرة فقط؛ ذلك أن زيادة أجهزة الراديو والتليفزيون والصحف لا تحدث بالضرورة زيادة مقابلة فى درجة التغير الاجتماعى، ولكنها تستطيع أن تؤد بعض المهام دون البعض الآخر، كما تستطيع أن تؤد البعض أحسن مما تؤد البعض الآخر، كما أن للطريقة التى تؤدى بها دورًا فى فاعليتها، وهكذا فإن العبرة الأساسية بالتحديد المتقن الواعي للدور الوطنى الهام الذى يمكن أن تؤده وسائل الإعلام فى التنمية الوطنية، واستخدام هذه الوسائل استخدامًا إيجابيًّا صحيحًا لتحقيق الأهداف الإعلامية تحقيقًا ناجزًا ناجعًا لإحداث التغير الاجتماعى المنشود.

الركيزة الرابعة: وجود فروق جوهرية بين المجتمعات التقليدية والحديثة، ولمَّا كانت عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى الدول النامية تستهدف إحداث تغيير وتطوير فى المجتمع، والتأثير في الأنماط الاجتماعية والأساليب التقليدية السائدة تجاه الأنماط والأساليب الحديثة؛ حتي يمكن أن يكون أفراده أكثر تقبلاً واستجابة لمتطلبات التغيير الاجتماعية والاقتصادية، فإن من الأهمية بمكان المقارنة بين سمات المجتمعات التقليدية والمجتمعات الحديثة؛ حتى نتبين الفروق الجوهرية بين كل منهما، والتي تمثل المجال الذى تعمل فيه وسائل الإعلام، وتؤدى دورها وفقًا لطبيعة المجتمع، ونوعية مشكلاته، ودرجة استجابة الأفراد فيه لمتطلبات التنمية.

في هذا الإطار تعددت المداخل النظرية لتفسير دور وسائل الإعلام فى تغيير القيم. ويعرض الباحث لثلاث مداخل هي: نشر الأفكار المستحدثة، والتأثير التراكمي طويل الأمد، وترتيب الأولويات، كالتالي:

  1. دور وسائل الإعلام فى تغيير القيم من خلال نظرية نشر الأفكار المستحدثة(3):

اهتم علماء الاجتماع بكيفية تغيير النظم الاجتماعية عن طريق نشر الأفكار المستحدثة، أما علماء الاتصال فاهتموا بكيفية استخدام الأنشطة الاتصالية لدعم ونشر الموافقة والقبول للمنتجات والأفكار الجديدة. واستطاعت الدول المتقدمة تحقيق نجاحات كبيرة فى هذا الشأن.

 وكان للعالم (إيفرت روجرز Everett Rogers) السبق في بناء نظرية الاتصال والأفكار المستحدثة، وأشار إلى أن أهمية الاتصال في عملية التغيير الاجتماعي تمر بثلاث مراحل متعاقبة وهي:

  • الاختراع: الذي يتم بواسطته خلق أو تطوير الأفكار الجديدة.
  • الانتشار: ويقصد به العملية التي يتم بواسطتها توصيل هذه الأفكار الجديدة إلى الجمهور.
  • النتائج: ويقصد بها التغيرات التي تحدث داخل النظام الاجتماعي كنتيجة لتبني أو رفض الأفكار الجديدة.

وعملية اتخاذ القرارات في الفكرة المستحدثة تمثل بالمراحل التالية:

  • مرحلة الوعي والمعرفة بوجود الفكرة الجديدة من خلال وسائل الاتصال المختلفة.
  • مرحلة الاهتمام بالفكرة الجديدة والبحث عن معلومات عنها.
  • مرحلة التعميم، حيث يختار الفرد تبني الفكرة المستحدثة أو رفضها.
  • مرحلة التجريب أو المحاولة، حيث يحاول الفرد تجربة الفكرة الجديدة على نطاق ضيق لتقرير الموافقة أو الرفض.
  • مرحلة التبنى، حيث يستخدم الفرد الفكرة الجديدة بصفة مستمرة على نطاق واسع، وتتم المرحلة الأخيرة بناء على عدة صفات في الفكرة وهي:
    • تميزها عن الأفكار أو المنتجات السابقة.
    • التوافق والانسجام مع النظم والتقاليد القائمة في المجتمع.
    • درجة تعقد الفكرة الجديدة وصعوبة فهمها أو استخدامها.
    • القابلية للتجريب على نطاق ضيق.
    • القابلية للملاحظة، أي درجة رؤية نتائج الفكرة المستحدثة من قبل الآخرين.

ولاشك أن الفرد يجمع معلومات عن الفكرة في مختلف مراحلها، وتختلف مصادر المعلومات باختلاف كل مرحلة، فوسائل الاتصال الجماهيرية أكثر تأثيرًا في المرحلة الأولى إذ تتسم بقدرتها على جعل الأشياء معروفة للجمهور.

  1. نظرية التأثير التراكمي طويل الأمد (Long-Term Effect): وتستخدم وسائل الإعلام في العالم سلطتها لإحداث التأثير التراكمي طويل الأمد على النحو التالي(4):
  • تبدأ مجموعة من وسائل الإعلام في تركيز اهتمامها على نقل رسائل حول موضوع محدد (مشكلة – موقف – قضية).
  • على مدى فترة ممتدة من الزمن تستمر وسائل الإعلام في نشر أو إذاعة رسائلها حول الموضوع بشكل دائم ومنظم ومتكامل فيما بينها.
  • يبدأ أفراد الجمهور في الاهتمام بهذه الرسائل، وتدريجيًّا يبدأ المجتمع المكون من هؤلاء الأفراد في تكوين فهمه العام والمتشابه للموضوع، والمستمد من مضامين وسائل الإعلام التي تضمنتها رسائل هذه الوسائل.
  • مع زيادة طرح الوسائل الإعلامية للموضوع يتكون فهم عام مشترك حوله، وبالتالي يتم تشكيل أو إعادة تشكيل المعاني والمعتقدات والاتجاهات التي تعمل كمرشد لسلوك جمهور وسائل الإعلام.
  • وعلى هذا فإن التغيرات التي حدثت نتيجة التعرض لوسائل الإعلام لدى الأفراد تتراكم، ويتولد عنها ببطء معتقدات واتجاهات جديدة تؤدي إلى تغير واضح في أنماط السلوك المرتبط بالموضوع.
  • تحدث مثل هذه التغيرات طويلة الأمد على مستوى مجتمع بذاته، أو على مستوى ثقافة إقليمية معينة، أو على مستوى عالمي.
  1. نظرية ترتيب الأولويات عند الجمهور “وضع الأجندة”(5):

يؤكد علماء الاتصال وجود علاقة إيجابية بين ما تركز عليه وسائل الإعلام في رسائلها وبين ما يراه الجمهور هامًا، فهي تسهم بدور كبير في ترتيب الأولويات لدى الجمهور، ومن ثهم فإنها تقوم بمهمة تعليمية حيث ترشد وتعلم الناس عما يتحدثون.

وتبعًا لهذا فإن الجمهور لا يتعلم من وسائل الإعلام فحسب حول المسائل العامة والأمور الأخرى، ولكنه يتعلم كذلك كم تبلغ هذه المسائل من أهمية تبعًا لما تلقاه من قبل وسائل الإعلام.

وبمعنى آخر فإن الإعلاميين يلعبون دورًا مهمًا في تشكيل حياتنا الاجتماعية حينما يمارسون دورهم في اختيار وعرض الأخبار علينا وترتيب الأولويات فيها.

ووظيفة وضع الأجندة للاتصال الجماهيري تتمثل في مقدرتها للتأثير على تغيير المعرفة عند الأفراد وتقوم ببناء تفكيرهم، وهنا يكمن أهم تأثير لوسائل الاتصال وهو مقدرتها على ترتيب العالم وتنظيمه عقليًّا لنا.

إن ترتيب الأولويات كوظيفة تأثيرية لوسائل الإعلام تتمثل عمليًّا في كونها نصيرًا أكبر في صنع الثقافة السياسية للجمهور، بحيث إنها تربط بين تصور إدراك الناس للواقع السياسي وبين الشئون السياسية اليومية.

ويمكن أن تلعب وسائل الإعلام من خلال وظيفة وضع الأجندة دورًا اجتماعيًّا بتحقيق الإجماع حول بعض الاهتمامات عند الجمهور التي يمكن أن تترجم فيما بعد باعتبارها رأيًا عامًا.

وجدير بالذكر أن بعض أصحاب القرار في المؤسسات المختلفة يستطيعون أن يؤدوا دورًا في ترتيب الأولويات – وضع الأجندة – حيث يمكنهم إشراك وسائل الإعلام في تبني بعض قضايا الأجندة المؤسساتية وطرحها على الجمهور والتركيز عليها إلى أن تصبح من الأولويات المنتظمة لأجندة وسائل الإعلام.

وتجدر الإشارة إلي أن وسائل الإعلام تستطيع أن تحقق فاعليتها القصوى كوسائل تنموية إذا أخذت في الاعتبار عدة عوامل منها: ما يمتلكه المتصل من خبرة ودراية بالبيئة التي يتم فيها الاتصال، وقدرته على تحديد الهدف تحديدًا دقيقًا، وفهمه للجمهور ومعرفة خصائصه واهتماماته والعوامل الانتقائية المؤثرة في سلوكه الاتصالي، وإعداد الرسالة المناسبة لنوعية الجمهور والقادرة بأسلوبها على اجتذابه مع مراعاة اختيار الوسيلة المناسبة.

ثانيًا: الاتصال الثقافي ودوافع التغير المهني:

يلعب الاتصال الثقافي دورًا هامًا في الحراك المهني ولاسيما بين الفئات التعليمية، حيث يرتفع مستوى طموحات هذه الفئة وتجد من خلال احتكاكها بثقافات أخرى ما لا تجده في مجتمعها من فرص تعليمية ومهنية وحياتية، وقد لعبت وسائل الإعلام الفضائية وكذلك الشبكات الاجتماعية عبر شبكة الإنترنت دورًا كبيرًا في هذا الاتصال، وظهرت العديد من النشاطات المهنية الجديدة والتي كما يراها الباحث تتمثل في: إطلاق الفضائيات الغنائية، والقنوات التعليمية، والرياضية، والعلاج بالأعشاب، وقنوات الأطفال .. وغيرها، والاستفادة من دخل الإعلانات عبرها، وكذلك رسوم الاشتراك في القنوات الفضائية المشفرة. وأيضًا عبر شبكة الإنترنت متمثلة في: مقاهي الإنترنت، والتجارة الإلكترونية، وإنشاء المواقع التجارية، والصحف الإلكترونية .. إلخ. ويرى الباحث أن عملية الاتصال الثقافي تتوقف على عاملين رئيسيين وهما دوافع الاتصال الثقافي و الخصائص الشخصية والفردية والاجتماعية، وفيما يلي عرض لهذه العوامل بشيء من التفصيل:

  1. دوافع الاتصال الثقافي:

وتشتمل دوافع الاتصال الثقافي على ما يلي:

  • العامل النفسي: والذي يتمثل في نشر ثقافة الشعور بالنقص:

إن البث الوافد من الغرب يطمح إلى عرض الحياة الغربية على أنها حياة مستقرة وعرضها بصورة إيجابية على جميع المجتمعات الأخرى، والغرض من ذلك هو خلق حالة من الإعجاب والانبهار، وزرع نوع من الشعور لدى المشاهد بعدم قدرته على المواكبة، إذ أن هذه البرامج الوافدة لديها القدرة على جذب الأفراد وصرفهم عن مشاهدة قنواتهم المحلية؛ فهي تصور الحياة الغربية على شكل مدينة فاضلة محببة لدى الجميع، فليس هناك من هو قادر على الوصول لهذا المستوى مما يولد لدى الآخرين الشعور بالعجز والنقص.

فلو تتبعنا وبشيء من الدقة مستخدمي قنوات البث الفضائي وشبكة الاتصال الدولي (الإنترنت) في مدة متواصة لوجدنا أن أغلبهم قد تولدت لديهم فجوة ذاتية بين ما يعيشوه وما يشاهدوه، والأكثر من ذلك هو عدم قدرة الكثير منهم للوصول إلى ما يشاهدوه عبر هذه الفضائيات أو الإنترنت، وذلك ما يسبب حالة عجز واضح عن القيام حتى بتسيير أمور حياتهم اليومية، كذلك فقد تسببت مشاهدة الفضائيات ومتابعة الإنترنت في الشعور بالاغتراب، وتبدأ حينها المقارنة والتفضيل لحياة الغرب لدى بعض المستخدمين، ووضعهم الذي هم عليه، لذا بدأت وسائل الاتصال الحديثة تروج وتعرض لقيم وأساليب حياة مختلفة توحي بأن مجتمعات الغرب أكثر استقرارًا وحرية ونظامًا ووفرة مادية، الأمر الذي يزداد معه الاحترام للمجتمعات الغربية، ثم يتحول الاحترام إلى الانبهار، ومن ثم تقليد رموز الآخر وعاداته وأساليبه المختلفة؛ مما يساعد على الشعور بالعجز مقابل الشعور بتفوق الأجنبي المبالغ فيه(6).

  • التطلع إلى الاستفادة من التكنولوجيا:

يرتبط الحصول على المعلومات غالبًا بزيادة التطلعات. مثالاً لذلك، فإن انتقال المعلومات عبر وسائل الإعلام قد أدى إلى زيادة تطلعات الأسرة الريفية مما جعلهم بدلاً من الاهتمام بتنمية وتطوير مجتمعهم الريفى فإنهم يسلكون الطريق السهل بهجرة الريف إلى المدن أو يلجأون إلى التشبه بالحضر فى القشور والمظاهر فقط دون الاهتمام بالتنمية الفعلية لنواحى الحياة(7).

وقد أجريت العديد من الدراسات حول دوافع الاتصال الثقافي عبر الوسائل الإعلامية، ومن أمثلة ذلك:دراسة (رودن Roden 2003) بعنوان: استخدامات التلفاز، وإشباعاته: العلاقة بين أنماط المشاهدة والدوافع في الولايات المتحدة(8):

هدفت الدراسة إلى معرفة العلاقة بين أنماط المشاهدة والدوافع في الولايات المتحدة، من خلال استخدامات التلفاز وإشباعاته، وتكونت عينة الدراسة من (1070) شخص تتراوح أعمارهم بين (14 – 89 سنة)، واستخدم الباحث في دراسته المنهج الوصفي التحليلي وتوصل إلى مجموعة من النتائج أهمها:

  1. وجود ارتباط بين بعض الدوافع، وقد تبين وجود علاقة قوية بين دافع قضاء وقت الفراغ والتعود، وبين الرفقة الاجتماعية ودافع الهرب (العزلة).
  2. وجود علاقة بين دوافع المشاهدة ومستويات المشاهدة، خاصة الدوافع النفعية ومستويات مشاهدة البرامج الثقافية والتعليمية.
  3. وجود علاقة ارتباط سلبية بين دافع المشاهدة للحصول على المعلومة والهروب .
  4. وجود علاقة بين دوافع المشاهدة النفعية، وبين أنواع البرامج الجادة مثل المقابلات، والأخبار.

  1. الخصائص الشخصية والفردية والاجتماعية:

وقد ظهر جيل جديد من الباحثين، اعتبر جماهير وسائل الإعلام جماهير فعالة وانتقائية في بحثهم لإشباع حاجاتهم للمعلومات وعلاقات التواصل. وحيث إن الجمهور لديه كل من دوافع البحث عن المعلومات أو الدخول في علاقات تواصلية و”توقعات” بشأن ما سيحصلون عليه من مثل هذا النشاط؛ فيختار أعضاء هذا الجمهور مصادر خاصة ومحتوى خاصًا. وطبقًا لنظرية الاستخدامات والإشباعات، فإن أناسًا مختلفين يستخدمون نفس المصادر والمحتوى لأسباب منفصلة تمامًا(9).

وقد أجريت العديد من الدراسات حول الخصائص الشخصية والفردية والاجتماعية وأثرها على عملية الاتصال الثقافي عبر الوسائل الإعلامية، ومن أمثلة ذلك: دراسة (جومبر أنيتا وفاس ليليانا Gombor Anita & Vas Liliana 2008) بعنوان: العلاقة بين السمات الخمس للشخصية والدوافع لاستخدام الإنترنت: مقارنة هنغارية-إسرائيلية(10):

هدف الباحثان إلى إجراء مقارنة بين دوافع استخدام شبكة الإنترنت والرضا عن الحياة بين طلبة الطب في دولتي هنجاريا (المجر) وإسرائيل، وذلك من خلال تحديد أسباب استخدامهم للشبكة العنكبوتية وارتباط ذلك بدرجة الرضا عن حياتهم.

وقد استخدم الباحثان استبانة خاصة بدوافع استخدام الطلاب للشبكة العنكبوتية قاما بتصميمها لهذا الغرض، ومقياس الرضا عن الحياة لـ (داينر Diener, 1985) وقاما بتطبيقهما على عينة من طلبة الطب مكونة من (300) طالب وطالبة، منهم (150) من هنجاريا و (150) من إسرائيل، بالمناصفة بين الذكور والإناث في كلا البلدين.

وأظهرت النتائج وجود فروق ذات دلالة في مجال الدوافع والرضا عن الحياة بين الطلبة من البلدين، وكذلك بين الجنسين في كل بلد. ووجدت الدراسة أيضًا أن الطلبة الراضون عن حياتهم من الإسرائيليين هم أقل استخدامًا للشبكة العنكبوتية بدافع الهروب من الواقع. وأشارت النتائج إلى وجود علاقة ارتباط عكسية بين درجة الرضا عن الحياة ودافع إقامة علاقات الصداقة لدى الطلبة من كلا البلدين، وكان هذا الارتباط أقوى لدى الطلبة الإسرائيليين. وأن السمات الخاصة للشخصية تؤثر في طبيعة استخدمها للإنترنت.

ثالثًا: الإنترنت وقضايا المهنة:

تلعب شبكة الإنترنت حاليًا دورًا هامًا في مجال الوظائف والمهن؛ إذ أصبح من الممكن للمستخدم الماهر لها أن يخلق لنفسه فرصًا للكسب المادي والتطور المهني، وطبقًا لمنظر الإعلام الاجتماعي والعلاقات العامة جاسون فولس Jason Falls “فإن وظيفة مسئول العلاقات العامة قد اضطلعت بدور جديد كليًّا في الشركات عبر العامين أو الثلاثة الماضية. إنه التحول الدراماتيكي في الصناعة منذ اختراع البريد الإلكتروني، ولكنه يحدث أسرع وبدراماتيكية أسرع”.

كذلك يمكن ملاحظة تغيرًا آخر وهو أن فاعلية الإعلام الاجتماعي في تجميع الاتصالات قد أدى إلى خلق وظائف ومهن مرتبطة بالإعلام الاجتماعي بشكل محدد. في هذا الصدد يقول السكرتير السابق للتعليم ريتشارد ريلي Richard Riley أن “أعلى (10) طلبات وظائف في (2010) ربما لم تكن قد وجدت من الأساس في (2004)”. كما أن توظيف الشركات لمسئولي العلاقات العامة لم يعد مرتبطًا بمعرفتهم للأدوات التقليدية للتجارة مثل إطلاق الأخبار، بل إن مسئولي العلاقات العامة في مرحلة الإعلام الاجتماعي يجب أن يكون لديهم فهم لكيفية استخدام الإعلام الاجتماعي لتجميع الاتصالات.

وطبقا لتقرير ديجيتال ريدنس Digital Readiness “فإنه عند البحث عن مرشحين محتملين لشغل الوظائف، فان المعرفة بالإعلام الاجتماعي تقريبًا (إجادة استخدام الإنترنت) يكون بنفس درجة أهمية مهارات العلاقات عبر الاعلام التقليدي”. وطبقا للتقرير:

  1. إن المسئولين عن توظيف موظفي العلاقات العامة والتسويق (82%) منهم أفادوا أن خبرة العلاقات الإعلامية التقليدية كانت إما هامة أو في غاية الأهمية. وأكثر من (80%) أفادوا أن معرفة الشبكات الاجتماعية إما هام أو في غاية الأهمية. وتقريبًا (77%) قالوا بأن معرفة التدوين، والبث، وتغذية rss أنه إما هام أو في غاية الأهمية، وتقريبًا (72%) قالوا أن فهم خدمات التدوين المصغر مثل تويتر أنه إما هام أو في غاية الأهمية.
  2. مهارات الاتصال الأخرى التي على أساسها يتم اختيار كبار الموظفين (صانعو القرار)، وُجدت إما هامة أو في غاية الأهمية، فكان تطوير محركات البحث وحسن استخدامها (62%)، والتواصل بالبريد الإلكتروني (56%)، وإدارة محتوى الشبكة (52%)، والإشارات المرجعية الاجتماعية (51%).
  3. أهمية مهارات الاتصالات الرقمية بالنسبة للباحثين عن العمل في التسويق أو العلاقات العامة.
  4. وُجد أن (18%) ممن يقوموا بتوظيف صانعي القرار (كبار الموظفين)، ليس لديهم اهتمام بمهارات الاتصالات التقليدية لديهم، مؤشرين بذلك على تحول اتجاه إعلام العلاقات إلى الاتجاه الحديث المرتكز على التقدم التكنولوجي(11).

كذلك تؤدي شبكة الإنترنت أدوارًا أخرى مباشرة في خلق وتوفير فرص العمل والتدريب، وبصفة عامة يتضح ذلك فيما يلي:

  • البحث عن فرص للعمل والتدريب:

يساعد الإنترنت على الربط بين الراغبين فى العمل والباحثين عن فرص تدريبية من ناحية، وأصحاب الأعمال/المراكز التدريبية من ناحية أخرى، وذلك من خلال إتاحة ونشر السير الذاتية للراغبين في العمل، ونشر فرص التوظيف المتاحة من جانب أصحاب الأعمال على شبكة الإنترنت؛ حتى يمكن تحقيق الاتصال بين الجانبين؛ مما يساهم فى توفير فرص العمل والتدريب، وكذلك توفير بيانات تقريبية عن حجم سوق العمل سواء بالنسبة لطلب أو عرض الوظائف(12).

ولقد شهد عام (2003) انطلاق موقع اجتماعي معروف وهو LinkedIn. هذه الشبكة الاجتماعية تمكن أصحاب المهن المشتركة من أن يتصلوا ويتعاونوا سويًّا وفي مجموعات. ولم تكن فقط أداة اتصال هامة للموظفين، ولكن أيضًا لمسئولي الموارد البشرية (التوظيف) الذين كانوا يسعون إلي الاستفادة منه كأداة جديدة، ستأخذ بعض الوقت لكي تكتسب زخمًا. وبحلول (2010) زعم موقع LinkedIn أنه يملك (50) مليون مستخدم، منهم أكثر من (50%) مقيمين خارج الولايات المتحدة(13).

  • الحصول على القروض التمويلية:

تلعب الإنترنت دورًا هامًا في الحصول على قروض لتمويل المشروعات الصغيرة، واليوم نجد أن عولمة خدمة التمويل الصغير عبر الدول أصبحت جديرة بالاهتمام. فموقع Kiva.org’s ممكن أن يوصف على أنه فضاء تفاعلي وعابر للدول واتصالي، يمكن من خلاله للمانحين والمقترضين أن يتعاقدوا على أجندة للمنفعة المتبادلة. وهو أيضًا مكان يعرض فيه صور الشركات في العالم الثالث، ويمكن تناولها والتباحث بشأنها. وبالنسبة للمقترضين، فإن تلقي القروض يكون حاسم للحياة، والمقرضون بدورهم يشعرون بالرضا لإعطاء المال للفقراء. ويوجد أيضًا فرص متاحة للعمل الخيري من خلال تمويل مقترضي العالم الثالث. ويوجد العديد من العمليات الاتصالية تسهم في تمويل المقترضين عبر kiva.org(14).

ولتحفيز الشبكات من أجل التغيير الاجتماعي، فإن الممولين أنفسهم يحتاجون للعمل مع عقل الشبكة – فهو موقف يعطي أولوية للانفتاح والشفافية وبناء العلاقات وتوزيع صناعة القرار. حيث يقول (توم كيلي (Tom Kelly من مؤسسة Annie E. Casey “هذا هو الطريق الذي يعمل من خلاله العالم. وإذا لم تتبنى عقلية شبكية كصانع منح لن يكون لديك التأثير الذي تسعى إليه”.

وتعتبر أدوات الإعلام الاجتماعي الجديدة بمثابة أداة تعبئة وحشد للطرق التي بواسطتها يستطيع الممولون العمل بعقلية الشبكة ويوسعون اتصالاتهم، كما يمكنها زيادة توقعات قادة المؤسسات لكي يعملوا بطرق شفافة ومنفتحة بشكل متزايد. لكن العمل مع عقل الشبكة هو أكثر من مجرد استخدام للأدوات. إنه طريق لرؤية العالم، والقيادة المدربة هي التي تنشئ التواصل والملكية المشتركة والانفتاح(15).

  • العمل عن بعد  E-Working:

وفرت شبكة الإنترنت وسيلة جديدة لأداء الأعمال وهى العمل عن بعد، وذلك عن طريق القيام ببعض الأعمال الإلكترونية لحساب الشركات في دول أو أماكن أخرى، ودون التقيد بالتواجد فى مكان العمل، ويستخدم هذا الأسلوب فى مجالات الترجمة والتصميمات الهندسية والسكرتارية والأعمال التي تعتمد بالأساس على الحاسب الآلي فى القيام بها(16).


(1) عدلي علي أبوطاحون، في التغير الاجتماعي، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1997، ص 9.

(2) عاطف عدلي العبد ونهى عاطف العبد، الإعلام التنموي والتغير الاجتماعي، مرجع سابق، ص.ص 59، 60.

(3) رضا عبد الواجد أمين، دور وسائل الإعلام في تحقيق التنمية المستدامة في العالم الإسلامي، جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، قسم الصحافة والإعلام، بحث مقدم إلى مؤتمر (التنمية المستدامة في العالم الإسلامي في مواجهة العولمة) الذي تقيمه رابطة الجامعات الإسلامية والبنك الإسلامي للتنمية في الفترة من 17 إلى 19 مايو 2008، ص 18، 19.

(4) فهد بن عبد الرحمن الشميمري، التربية الإعلامية: كيف نتعامل مع الإعلام؟، مرجع سابق، ص 60.

(5) رضا عبد الواجد أمين، دور وسائل الإعلام في تحقيق التنمية المستدامة في العالم الإسلامي، مرجع سابق، ص.ص 19، 20.

(6) فلاح جابر الغرابي، وسائل الاتصال الحديثة ودورها في إحداث التغير الاجتماعي، جامعة القادسية- كلية الآداب، مجلة جامعة القادسية في الآداب والعلوم التربوية، المجلد 8، العدد 2، الديوانية – العراق، 2009، ص 217.

Also available at: http://www.iasj.net/iasj?func=fulltext&aId=13449

(7) مها سامى كامل، العلاقة المتغيرة بين الريف والحضر، المؤتمر العربي الإقليمي “الترابط بين الريف والحضر” والاجتماع العربي رفيع المستوى للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) حول استدامة المدن العربية وضمان حيازة المسكن والأرض والإدارة الحضرية، القاهرة، 15 – 18  ديسمبر 2005، ص 16.

Also available at: http://www.eip.gov.eg/Upload/ConferenceDocs/359/1.2.pdf

(8) بشار عوض جيدوري، الدور التعليمي والتثقيفي للقناة الفضائية التربوية السورية في تنمية أداء الطلاب، مرجع سابق، ص 403.

(9) ستيفن كولمان وكارين روس، الإعلام والجمهور، ترجمة صباح حسن عبد القادر، دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة، 2012، ص.ص 72، 73.

(10)  Gombor Anita & Vas Liliana, A nation- and gendered-based study about the relationship between the Big Five and motives for Internet use: A Hungarian and Israeli comparison, Hungary Budapest, Eötvös Loránd University, HU ISSN 1418-7108: HEJ Manuscript no.: INF-080514-A, 2008.

Also Available at: http://heja.szif.hu/INF/INF-080514-A/inf080514a.pdf

(11) Laura Matthews, Social Media and the Evolution of Corporate Communications, The Elon Journal of Undergraduate Research in Communications • Vol. 1, No. 1 • Winter 2010, p 21.

(12) علا الخواجة، تأثير الإنترنت على الشباب في مصر والعالم العربي، مرجع سابق، ص 10.

(13) PETER R. SCOTT, APR J. MIKE JACKA Auditing Social Media A Governance and Risk Guide, Canada, John Wiley & Sons, Inc, New Jersey. Hoboken, 2011, P 10.

(14) Franklin Nii Amankwah Yartey, Microfinance, Digital Media and Social Change: A Visual Analysis of Kiva.org, Communication & Social Change, United States of America, University of Dubuque, hipatia press, October 1st, 2013 Edition period: October 2013 – January 2014, 1(1), 63-89 doi: 10.4471/csc.2013.04, p 15.

(15) Diana Scearce, Catalyzing Networks for Social Change a funder’s guide, San Francisco, monitor institute, 101 Market Street, Suite 1000, 2010, P 10.

(16) علا الخواجة، تأثير الإنترنت على الشباب في مصر والعالم العربي: دراسة نقدية، مرجع سابق، ص 12.